تقرير منظمة العمل الدولية عن نُظُم حماية الأجور في بلدان مجلس التعاون الخليجي


جهاد عقل
2025 / 12 / 7 - 18:00     

* المقدمة
أصدرت منظمة العمل الدولية في نهاية شهر تشرين ثاني / نوفمبر 2025 تقريرها الجديد بعنوان "نُظم حماية الأجور في بلدان مجلس التعاون الخليجي: تحليل إقليمي" وهو تقرير من 76 صفحة، وقد قام "فريق أبحاث من شركة -إرخون للإستشارات _ وموظفو المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية والمكتب التنفيذي لمجلس التعاون الخليجي بمراجعة وتنقيح البحث ، ووقع عليه كل من ربا جرادات المدير الإقليمي للدول العربية – منظمة العمل الدولية ومحمد العبيدلي المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس التعاون الخليجي.، حيث يشكّل أول مراجعة مقارنة شاملة لبنية هذه النظم وآليات تطبيقها. ويؤكد التقرير منذ البداية الخلفية التي أدت لإعداد التقرير حيث: " قامت دول مجلس التعاون الخليجي الست بإعتماد أنظمة حماية الأجور وذلك في خطوة جريئة تهدف إلى ضمان تسديد الأجور في الوقت المناسب بدقة وفعالية ، وفقاً لاتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن حماية الأجور لعام ١٩٤٩ (رقم ٩٥) وتوصية منظمة العمل الدولية بشأن حماية الأجور لعام ١٩٤٩ (رقم ٨٥)”.
كما أشار التقير في المقدمة الى أنه:"وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد من الزمن على مسألة تطبيق أنظمة حماية الأجور في دول مجلس التعاون الخليجي، تبقى المعلومات حول الأطر المؤسساتية والآليات الداخلية المتعلقة بكيفية تصميم وتفعيل هذه الأنظمة محدودة. من هنا، قامت منظمة العمل الدولية بإعداد هذا التقرير بالتعاون الوثيق مع المكتب التنفيذي لمجلس التعاون الخليجي بغية سدّ الفجوة المعرفية هذه."

* انتهاك أجور وحقوق العمال الوافدين
من بدأت دول التعاون الخليجي بإستقدام العمال لسد حاجتها في توفير أيدي عاملة في ظل النهضة العمرانية أولاً ، ومن ثم الوضع التجاري والإجتماعي ، بدأت ظاهرة إستغلال العمال من جميع النواحي ، ظاهرة الكفيل التي تعني أن العامل يجتاج لشخص محلي لضمان تشغيله ، وعليه دفع مبلغ مالي له وايداع جواز سفره لديه ، بكلمات أخرى يصبح "مملوكاً" لذلك "الكفيل" ، وهنا بدأت تظهر العديد من ظواهر الإستغلال البشع للعمال الوافدين من مختلف الدول ، وبدأت المنظمات الدولية تطلع على تلط الظاهر المؤلمة من إستغلال رهيب لحقوق العمال وظروف السكن التي يعيشون فيها وقضايا الأكل،والأهم عدم دفع كامل الأجور لهم، وبرزت تلك التقارير في ظل الإستعداد لإستضافة كأس العالم لكرة القدم وبناء الملاعب والمرافق الرياضية ، وتشغيل العمال بظروف قاسية ، بل تكاد ظروف عبودية ، ومنها قضية الأجور وحقوق العمال والصحة والسلامة المهنية.
وعليه تأتي أهمية هذا التقرير في سياق استمرار التحديات البنيوية التي تواجه العمال في الخليج، وعلى رأسها هشاشة علاقة العمل الناتجة عن نظام الكفالة، الذي يقيّد قدرة العامل على المطالبة بحقوقه الأساسية، ويجعل انتهاكات الأجور جزءاً من مشهد أوسع من عدم التوازن في العلاقة بين العامل وصاحب العمل. ويشير التقرير إلى أنه: "يهدف هذا التقرير إلى سدّ فجوة معرفية مهمة تتعلق بتطور وتصميم وتطبيق نظم حماية الأجور في دول مجلس التعاون الخليجي”.ويتضح أن الإنتهاكات ما زالت قائمة والتي يطلق عليها معدو التقرير أنها "ثغرات" أو كماجاء في التقرير:”ورغم هذه الجهود، ما تزال هناك ثغرات في التطبيق تسمح ببقاء ممارسات تأخير الأجور أو التلاعب بها أو عدم دفعها بشكل كامل”.

* تقدم تقني مهم… لكنه غير كافٍ لضمان الحقوق
يشير التقرير إلى أن دول الخليج:"اتخذت خطوات مهمة خلال السنوات الماضية لتعزيز شفافية دفع الأجور من خلال إنشاء نظم حماية الأجور وربطها بالأنظمة المصرفية”. فقد طوّرت الدول نظم مراقبة إلكترونية، واعتمدت منصات لرفع كشوف الرواتب، وربطت بين المصارف ووزارات العمل، ووضعت غرامات على المخالفين.إلا أن هذا التقدم التقني لا يمكن أن يتحول وحده إلى حماية حقيقية للحقوق من دون منظومة أوسع تشمل حرية التنظيم النقابي، آليات تظلّم فعّالة، قضاء عمالي مستقل، وحماية المبلغين من الانتقام. وهنا تبرز الإشارة المهمة الواردة في التقرير، حيث جاء:
"تعتمد فعالية هذه النظم على قدرة العمال على الوصول إلى آليات الشكاوى وعلى تمتّعهم بالحماية من الانتقام عند الإبلاغ.”
هذا يؤكد لنا قضية "الثغرات" التي أشار لها التقرير ، ما هي الا مواصلة حالة الإستغلال للعمال الوافدين في دول مجلس التعاون الخليجي ، خاصة وأن قضية المكننة لدفع الأجور لا تتم بشكل سديد وشفاف ولا تشمل كام العمال والعاملات.

* الفئات المستثناة… الحلقة الأضعف في سوق العمل
رغم أن التقرير يؤكد على تطور أنظمة حماية الأجور،لكنه يكشف التقرير استمرار استثناء فئات واسعة من العمال، وهم الأكثر عرضة للانتهاكات. ويقول التقرير بوضوح:
"لا تشمل نظم حماية الأجور جميع العمال، إذ ما تزال فئات واسعة خارج نطاق الحماية، ومنها العمالة المنزلية والعمال غير النظاميين”.
ويمثل ذلك تحدياً كبيراً، لأن الفئات المستثناة هي التي تعاني تاريخياً من تأخير الرواتب، أو احتجاز الأجور، أو العمل دون عقود واضحة، أو غياب وسائل فعالة للانتصاف القانوني.أي أن قضية نُظم الأجور التي يتحدث عنها التقرير لم تشمل جميع العمال والعاملات خاصة الشريحة المستضعفة منها.

*سلاسل التوريد والمقاولون الثانويون… منطقة رمادية أم سوداء؟
كما يلفت التقرير الانتباه إلى أن الامتثال في سلاسل التوريد ما يزال يشكّل نقطة ضعف رئيسية، إذ كثيراً ما تكون الانتهاكات في شركات المقاولة من الباطن أو المنشآت الصغيرة. ويؤكد التقرير أنه: "تظل مراقبة الامتثال في سلاسل التوريد، وخاصة لدى المقاولين من الباطن، من أبرز التحديات التي تواجه نظم حماية الأجور”. والأهم من ذلك عدم وجود رقابة فعّالة على هذه السلاسل يجعل أي إصلاح تشريعي عرضة للالتفاف أو التجزئة. أي أن ظاهرة "الكفيل" أو "شركات المقاولة" أو التشغيل الثانوي ما زالت تسود خاصة في الورشات الصغيرة أو في العمل المنزلي وغيرها ، مما يعني تعرض هؤلاء العمال الى الإستغلال بما في ذلك عدم دفع كامل الأجور لهم أو عدم الإلتزام بالنظم الي يتعرض لها التقرير.

*حماية الأجور لا تنفصل عن حماية العمال
هذا وبالرغم من أن التقريريؤكد أن نظام حماية الأجور يمثل: "مبادرة إقليمية رائدة لتعزيز الشفافية والمساءلة في علاقات العمل.” إلا أن النظام، رغم ريادته، لا يمكن أن يحقق تأثيره الكامل من دون إصلاحات أوسع تعالج جذور هشاشة علاقة العمل، وعلى رأسها نظام الكفيل، الذي يقيّد قدرة العامل على تغيير صاحب العمل أو تقديم شكوى.
ويشير التقرير ضمناً إلى هذه الإشكالية بالقول: "تعكس التحديات المرتبطة بحماية الأجور الحاجة إلى معالجة أعمق لمواطن الخلل في علاقة العمل وللعناصر التي تقيّد حرية العامل وقدرته على الانتصاف القانوني.”

* توصيات نقابية لتعزيز حماية الأجور
من خلال متابعتنا لهذا الموضوع وتعرض العمال والعاملات الوافدين الى إستغلال بشع ،خاصة في ظل منع العمال من التنظيم النقابي ، وظاهرة التعاون لدى المُشغّلين في التمويه وعدم الشفافية بكل ما يتعلق بظروف العمل بما في ذلك الأجور ، وتمكن أصحاب العمل من "التغطية" على تلك الظروف القاسية بأساليب غير مقبوله ومنها إستعمال قوتهم المالية لإسكات حالات الإستغلال ومنها العنف وعدم دفع الإجور ، والتي يشير لها التقرير ب "كفوف حريرية" ، لكن مهم ما جاء في التقرير من منظور نقابي، حيث يقدم التقرير أرضية قوية للمطالبة بإصلاحات ملموسة، منها:
- توسيع نطاق نظام حماية الأجور ليشمل جميع العمال من دون استثناء.
- تعزيز التفتيش العمالي وربطه آلياً بنظام حماية الأجور.
- حماية المُبَلِغين ومنع الانتقام.
- إصلاح جذري لعلاقة العمل، بما في ذلك تفكيك نظام الكفالة.
- مواءمة التشريعات مع اتفاقية حماية الأجور رقم 95 واتفاقية العمالة المنزلية رقم 189.
- تعزيز الرقابة على المقاولين الثانويين، والمشغلين في المنازل.
- توسيع مساحة الحوار الاجتماعي وتعزيز التمثيل العمالي.

* ضرورة إجراء إصلاحات شاملة
يمثل تقرير منظمة العمل الدولية خطوة مهمة لفهم واقع حماية الأجور في الخليج، لكنه يذكّر بأن أي إصلاح تقني لا يكفي من دون إصلاحات هيكلية شاملة. ويبقى الهدف النهائي، كما يرد في التقرير:"تهدف نظم حماية الأجور إلى ضمان حصول العمال على أجورهم كاملة وفي موعدها وفق معايير العمل اللائق”.إن حماية الأجور تبدأ بحماية العمال أنفسهم، وتمكينهم من التنظيم والمطالبة بحقوقهم دون خوف. ومن دون ذلك، ستظل أنظمة حماية الأجور خطوة مهمة… لكنها غير كافية.