رسالة من اشتراكي في نيويورك حول فوز الاشتراكي المسلم زهران ممداني في الانتخابات
تيار الثورة الاشتراكية
2025 / 12 / 4 - 02:53
الرفاق الأعزاء،
اسمحوا لي أن أبدأ رسالتي هذه بملاحظة شخصية، قد تبدو غريبة، لكنها صادقة. فقد مضت أسابيع منذ أن أدلي سكان مدينة نيويورك في صناديق الاقتراع لاختيار عمدة جديد، وما تزال قدماي تؤلمني من طول المشي في شوارع المدينة ومن صعود سلالم المباني التي لا تعدّ ولا تحصى. ولم أكن وحدي في ذلك، فقد كنت واحدًا من أكثر من مئة ألف متطوع، خرجوا من الفجر وحتى ساعات متأخرة من الليل يطرقون أبواب الناس، لمحاورتهم وتشجيعهم على التصويت لمرشح لم يتصور أحد أنه قد يحقق الفوز في قلب العاصمة المالية للإمبريالية: وهو الاشتراكي المسلم، المناهض للصهيونية.
وكما تعلمون، لم تذهب جهودنا سدى. فقد فاز المرشح الذي دعمناه – زهران ممداني – بأكثر من مليون صوت، وسيبدأ ولايته الممتدة لأربع سنوات في الأول من يناير.
أنا، مثلكم، اشتراكي ثوري. أما ممداني فهو إصلاحي؛ يرى أن تجاوز الرأسمالية وما تولده من استغلال واضطهاد يمكن ويجب أن يحدث تدريجيًا وسلميًا. ولهذا يخشى الإصلاحيون عادةً أشكال النضالات الواسعة التي تحتل فيها الجماهير الشوارع للاحتجاج، وتوقف عجلة الاقتصاد عبر الإضرابات العامة، ويفضلون بدلاً من ذلك أدوات أكثر هدوءًا، مثل الحملات الانتخابية، التي تبقى الجماهير سلبية وغير فعالة، فيما يحتفظون هم بالقيادة والسيطرة.
لكن حملة ممداني كانت استثناءً. فقد أعطت صوتًا صادقًا لبعض أشد احتياجات الجماهير إلحاحًا وحولتها إلى مطالب لمواجهة الفقر المتزايد، ووضع حدٍّ للجرائم التي ترتكبها الإمبريالية الأمريكية حول العالم، وخصوصًا دعمها للفظائع والابادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. وهكذا، ورغم أن هدفه الأول كان الفوز، إلا أن حملته أيقظت حركة جماهيرية واسعة يمكن أن تنمو وتتطور إلى أشكال أعمق من العمل الشعبي والنضال الجماعي.
ومن هذا المنطلق، شاركنا – نحن الاشتراكيين الثوريين – في دعم ممداني بروح الجبهة الموحّدة، كما علّمنا قادة الاشتراكية الثورية العظام، بدءًا من ماركس وإنجلز: فقد عملنا معه ومع مؤيديه بتعاون صادق، دون أن نخفي خلافاتنا معه. بل شرحنا للجماهير الفارق بين الإصلاحية والاشتراكية الثورية وحذرنا من أن الإصلاحية، مهما كانت نواياها حسنة، ستصبح عاجلًا أم آجلًا حاجزًا أمام تحقيق مطالب الجماهير. ولقد التقينا بشباب من الطبقة العاملة بدأوا بالفعل يعون هذه الحقيقة بأنفسهم.
صحيح أن ممداني لم يَعِد سوى بإصلاحات محدودة: زيادات طفيفة على ضرائب الأغنياء والشركات، لتمويل خدمات اجتماعية مثل الرعاية المجانية للأطفال وخطوط الحافلات العامة. لكن هذه الوعود البسيطة وحدها كانت كفيلة بإرعاب الطبقة الرأسمالية الحاكمة، إذ تعلم أن انتزاع إصلاحات صغيرة سيشجع الجماهير على المطالبة بالمزيد. كما أن العدد الهائل من المتطوعين أثار قلقهم من تحول هذا الحشد إلى حركة منظمة قد تهدد مصالحهم مستقبلًا.
ومهما عظمت فرحة الانتصار، يبقى السؤال الأهم بالنسبة لنا: هل خرجت الطبقة العاملة وجماهير الفقراء من الحملة أكثر وعيًا وتنظيمًا؟ هل أدركت مصالحها وعرفت حلفائها من أعدائها؟ فالتنظيم والوعي المتنامي هما الطريق الوحيد لتمكين الجماهير من الإمساك بمصيرها بيدها. ومن هذه الزاوية، ورغم أن الطريق لا يزال طويلًا أمام الجماهير لتحرير نفسها، فقد كانت حملة ممداني خطوة صغيرة لكنها بالغة الأهمية نحو المستقبل.
ومع ذلك، ظهرت بوادر القلق؛ فقد تحدث ممداني مع بعض الرأسماليين، بل وحتى مع الصهاينة، ليطمئنهم بأنه ليس تهديدًا. ومن الطبيعي أن يثير هذا القلق، لكن كان خطأً من جانب بعض الاشتراكيين الافتراض بأنه قد خان الحركة. دون ملاحظة أن ممداني لم يغيّر أيًا من سياساته الجوهرية، وظل ملتزمًا بزيادة الضرائب على الأغنياء والشركات، وبمناهضة الصهيونية، ودعم حركة المقاطعة (BDS) وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل. بدا الأمر كأنه مناورة تكتيكية لتخفيف مقاومة خصومه من دون أي تنازل عن مبادئه الأساسية.
مع ذلك فعلينا أن نظل يقظين. فالإصلاحيون عادةً يريدون تهدئة الجماهير بعد الانتخابات، ووضع الثقة في التنفيذ الهادئ للإصلاحات. لكن هذه الاستراتيجية ستصطدم بقوة بأزمة الرأسمالية المتفاقمة، وبسعي الطبقة الحاكمة لتعطيل أي إصلاح. وفي نهاية المطاف، لن تكون الإصلاحية قادرة على حل الأزمة الاجتماعية المتفاقمة. وإن لم يتبنّ ممداني الاشتراكية الثورية – وهو أمر غير مرجح – فإما سيخيب آمال الجماهير، أو، في أسوأ الأحوال، سيخونها. وفي كلتا الحالتين، يجب على الثوريين أن يكونوا مستعدين لمواصلة النضال، مع الاستمرار في شرح اختلافاتنا مع ممداني بصراحة للجماهير.
أما على الصعيد الدولي، فإن فوز ممداني له دلالات أعمق. فهو يعكس تراجع قوة الإمبريالية الأمريكية عالميًا، وتدهور أوضاع الجماهير داخليًا. والأهم أنه يظهر أن وعي ملايين الأمريكيين يتجه نحو اليسار، وأن هذا التحول قد يجبر الولايات المتحدة في السنوات القادمة على تقليص دعمها لإسرائيل، وربما لدكتاتوريين مثل عبد الفتاح السيسي. وقد يمهد ذلك الظروف لظهور موجة ثورية جديدة في مصر، بفرص أعظم لتحقيق النصر.
لكن لضيق الوقت، سأعود لأكتب إليكم قريبًا لمواصلة هذا النقاش الحيوي.
حتى ذلك الحين، أرسل لكم أحرّ التحيات الأممية، وأصدق مشاعر التضامن،
مات روبرتس
نيويورك
https://soc-rev-egy.org/2025/12/03/%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d8%b4%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%83%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%8a%d9%88%d9%8a%d9%88%d8%b1%d9%83-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d9%81%d9%88%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a7/