مغالطات عن الإسلام يسوّغ الغرب بها مغامراته العدوانية -2
سعيد مضيه
2025 / 11 / 24 - 10:41
تعطيل التحديث في المجتمعات العربية والإسلامية
جوناثان كوك ترجمة سعيد مضيه
المفهوم المغلوط الثالث: الشرق الأوسط مليء بالمسلمين الذين تراودهم الرغبة لجز رؤوس "الكفار". لا يمكنك أن تخبرني عن ديانة تعلّم الناس ان الكراهية امر طبيعي.
يكرهوننا بسبب حرياتنا" - شعار جورج دبليو بوش الشهير- لبرير إشاعة الإسلاموفوبيا .
المشاريع السياسية المنسوبة بطرق متعددة إلى الإسلام تنتمي لأصول أحدث بكثير مما يفضله معظم الغربيين.
الحركات الإسلامية الأولى، التي ظهرت قبل مئة عام في أعقاب سقوط الإمبراطورية العثمانية، كانت تُكافح بشكل رئيسي بوسائل تعزز بها مجتمعاتها من خلال الأعمال الخيرية.
ظلت أعظم مشاريعها السياسية هامشية بالقياس الى التطلع الأعظم لقومية عربية علمانية دافع عنها مجموعة من الرجال الأقوياء الذين صعدوا إلى السلطة، عادةً بعد التخلص من القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية.
بالفعل كانت حرب 1967، التي هزمت فيها إسرائيل بسرعة الجيوش العربية الرئيسية في مصر وسوريا والأردن، هي المحرك لتداعيات أفضت لظهور ما أطلق عليه الباحثون "الإسلام السياسي" بحلول سبعينيات القرن الماضي،
نزلت هزيمة 1967 إهانةً بالغةً للعالم العربي – اضافت إلى جرح نكبة عام 1948، حيث عجزت الدول العربية عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني ولم ترغب في إنقاذ وطنه من الاستعمار الأوروبي ومنع استبداله ب "دولة يهودية" صريحة.
كانت تذكيرًا مؤلمًا بأن العالم العربي لم يشهد تحديثًا جديًا في ظل حكم ا استبدادي يدعمه الغرب.
بل إن المنطقة عانت من تخلفٍ مفروضٍ تناقض مع المزايا المالية والتنظيمية والعسكرية والدبلوماسية التي أغدقها الغرب على إسرائيل- مزايا تواصلت باضطراد بدعم الغرب لإسرائيل وهي تنفذ مجزرتها الحالية في غزة.
ربما انذهل الغربيون بمشاهد شوارع المدن العربية العلمانية اواخر عقد الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي. غالبًا ما تُظهر الصور والأفلام في تلك الفترة بيئةً عصريةً ومتأرجحة - على الأقل بالنسبة لنخب المدن - حيث كانت النسوة يرتدين تنانير قصيرة وبلوزات بقبة مفتوحة. بدت أجزاء من دمشق (عام ١٩٧٠) وطهران أشبه بباريس أو لندن.
غير ان تغريب النخب العربية العلمانية، وفشلها الواضح في الدفاع عن بلدانها ضد إسرائيل في حرب ١٩٦٧، أثارا مطالبات بالإصلاح السياسي، لا سيما بين بعض الشباب المُحبَط والثوري. صدقوا وعود الغرب الكاذبة، كما ان الانحطاط المتواتر للنمط الغربي ترك المجتمعات الإسلامية في حالة من الرضا والتشرذم والضعف والتبعية.
كانت هناك حاجة إلى مشروع سياسي يُغيّر المنطقة، ويجعلها أكثر مرونة واحتراما للذات، ومستعدة للنضال من أجل التحرر من سيطرة الغرب، وضد دولة إسرائيل العميلة عالية التسلح،
لا عجب إذن أن تجد هذه الحركات الإصلاحية إلهامًا في إسلام مُسيّس يُميّز بوضوح برنامجه عن الغرب الاستعماري، ويُطهّر مجتمعاته من تأثيره المُفسد.
كذلك كان من الطبيعي صياغة حكاية أصلية تعزز القوة: سردية عن "عصر ذهبي" للإسلام المبكر، حين كافأ الله مجتمعًا مسلمًا أكثر تقوىً وتوحدا بالسيطرة السريعة على مساحات شاسعة من العالم. كان هدف الإسلامويين العودة إلى هذا العصر الأسطوري إلى حد كبير، وإعادة بناء العالم الإسلامي المشرذم في دولة خلافة، إمبراطورية سياسية تمد جذورها في تعاليم النبي بالذات.
لنلاحظ المفارقة في اشتراك الإسلام السياسي والحركة الصهيونية الأكثر علمانية بالعديد من المواضيع الأيديولوجية.
سعت الصهيونية صراحةً إلى إعادة ا ابتكار اليهودي الأوروبي، الذي عزا اليه الفكر الصهيوني ضعفا أحاله عرضة للاضطهاد، وفي نهاية المطاف للمحرقة النازية. يُفترض أن تعيد الدولة اليهودية الشعب اليهودي إلى أرض الأجداد وتجدد قواه، مُحاكيةً العصر الذهبي الأسطوري لبني إسرائيل. انتوت الدولة اليهودية إعادة بناء شخصية الشعب اليهودي يخدم نفسه بنفسه، يكدح في الأرض بعضلاته كمزارعين محاربين ذوي بشرة ملونة. وستضمن الدولة اليهودية أمن الشعب اليهودي من خلال قدرات عسكرية تمنع الآخرين من التدخل في شؤونه.
اما الإسلامويون فعلى عكس الصهاينة، بالطبع، لم تقدّم القوى الغربية أي مساعدة لهم في تحقيق حلمهم السياسي. بدلاً من ذلك، قدّمت رؤيتهم العزاء في زمن الفشل والجمود الذي عاشه العالم العربي. وعد الإسلامويون بتغيير جذري في مسار الأمور من خلال برنامج عمل واضح، مستخدمين لغة ومفاهيم دينية مألوفة لدى المسلمين.
و للإسلاموية ميزة إضافية تتمثل في صعوبة تزييفها.
ان فشل هذه الحركات في إزالة النفوذ الغربي من الشرق الأوسط، أو إلحاق الهزيمة بإسرائيل، لم يقوض بالضرورة نفوذها أو شعبيتها؛ بل أمكن استغلال الفشل لتعزيز حجتهم للتشدد في برامجهم: عبر صرامة أشد في تطبيق العقيدة، مقاربة أشد تطرفًا في الالتزام بالإسلام، وعمليات أشد عنفًا.
أفضى هذا المنطق بالذات في النهاية إلى تنظيم القاعدة وعبادة الموت في تنظيم الدولة الإسلامو ية.