بوب أفاكيان : الثقافة و المبادئ و المعايير الذين نحن في حاجة إليهم


شادي الشماوي
2025 / 11 / 21 - 00:09     

بوب أفاكيان ، 3 أوت 2022 ؛ جريدة " الثورة "-www.revcom.us

ملاحظة الناشر : في بدايات سنة 2012 ، أجرى أ. بروكس حوارا عميقا إمتدّ لعدّة أيّام مع بوب أفاكيان . ( و هذا الحوار الذى يحمل عنوان" ما تحتاجه الإنسانيّة : الثورة والخلاصة الجديدة للشيوعيّة " متوفّر على موقع أنترنتrevcom.us)
بروكس – ثوريّ من الجيل الجديد ألهمته قيادة بوب أفاكيان و أعماله و الخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي طوّرها بوب أفاكيان – هو مؤلّف سلسلة مقالات " الإلاه هو الفاشيّ الأصليّ " نُشرت في جريدة " الثورة " سنة 2005 ، وهو متوفّر على موقع أنترنت revcom.us ( مقتطفات من هذه المقالات إقتبسها بوب أفاكيان في مستهلّ كتابه " لنتخلّص من كافة الآلهة – تحرير الأذهان و تغيير العالم راديكاليّا " ، أنسايت براس ، 2008 ) . و هنا نعيد نشر أقسام من هذا الحوار الصحفيّ مناسبة جدّا للوضع الراهن – لا سيما كنقد للممارسات الشاملة للأكاذيب و التشويه و النشر اللامبدئي للإشاعات كجزء من الثقافة الشعبيّة هذه الأيّام ، بما في ذلك ضمن أناس يعتبرون أنفسهم " فوضويّين "... و" يسار " ...و" تقدّميّين " ...و " متيقّظين " .
في هذا الحوار الصحفيّ ، قبل سنوات عشر ، دعا بوب أفاكيان هذه الطريقة الهدّامة للغاية لتجنّب الصراع المبدئيّ حول الإختلافات – و في معرضة هذا ، شدّد على أنواع المعايير و الطرق التي نحتاج إلى تطبيقها لأجل إيجاد صراع مبدئيّ و له مغزى حول الإختلافات و بلوغ فهم علميّ لكُنهِ الإختلافات الإيديولوجيّة و البرنامجيّة التي تمثّلها تلك الإختلافات و إلى أين ستفضى عمليّا . و نودّ ان نلفت النظر بشكل خاص إلى قسم من هذا الحوار ، " الثقافة و المبادئ و المعايير الذين نحن في حاجة إليهم " ، إعتبارا لفائدتها الخاصة و المباشرة جدّا لما يجرى اليوم .
------------------------------------------
بروكس : في رأيك ما هي المسؤوليّة – لا سيما القوى الثوريّة لكن ، حتّى على نطاق أوسع ، لأيّ شخص جدّيّ حول أو حتّى مساءلة ما إذا كان من الممكن أن يكون العالم مختلفا ؟ أليست هذه مسؤوليّة إرساء معايير تتحدّث عنها ، حيث ينطلق الناس من ما يلزم عمليّا لتغيير العالم ؟ كيف ترى مسؤوليّة الناس في علاقة بذلك ؟
بوب أفاكيان : حسنا ، مرّة أخرى ، من واجب الناس أن يقاتلوا للتركيز على أشياء : ما هي الطريقة التي تخوّل لنا عمليّا فهم العالم و تغييره ؟ إن كان هذا من نعدّ للقيام به ، إن كان هذا ما نرغب في فعله حقّا ، ثمّ سننطلق من الحاجة إلى الحصول على فهم حقيقيّ للأهداف العمليّة للناس و المجموعات و إلى أين ستفضى . ما هو خطّهم و ما هي التبعات و الإنعكاسات إن تمّ تكريس هذا الخطّ و إن جرت تعبأة الناس حول هذا الخطّ ، مقارنة بخطّ آخر ؟ و إنّه كمحور صراع أن نجعل ذلك بؤرة تركيز .
و هناك أيضا نضال حول المعايير التي يجب أن توجد : الهراء الآخر – أنّ " tabloidism " ، الثرثرة الساقطة و التشويه و الترويج للإشاعات ، و التهجّم على ألشخاص و بقيّة ذلك – لا نرغب في ذلك الذى هو غير مناسب هنا . نحن بصدد شيء جدّي هنا ، نحن نحاول أن نصنع عالما جديدا ، و ذلك الهراء جزء من العالم القديم الذى نحتاج إلى التخلّص منه . إن كان لديك نقد لشخص ، تقدّم به و إرفعه إلى مستوى شيء مهمّ حقّا .
و ، إلى جانب ذلك ، لنرفعه إلى مستوى حيث الناس أبعد من مجرّد الأطراف المتنازعة ، يمكن أن يستوعبوا الأشياء . إذا قلت ، " لقد لكمتني ، و على أيّ حال أنت متسكّع " : بالنسبة للناس الذين لم يكونوا هناك ، غير المعنيّين مباشرة ، كيف سيحكمون على ذلك ؟ و هل يجب حقّا تركيز نظرتهم على ذلك ؟ يمكن أن ندور و ندور و قبل كلّ شيء قد لا نتمكّن من الحكم على الأمر . و ثانيا ، و حتّى أكثر جوهريّة ، هذا ليس ما يجب أن يكون بؤرة تركيز الناس ؟ حينما تكون لدينا إختلافات سياسيّة ، لن نعالجها – و لن يتمكّن الناس من معرفة الصواب من الخطأ – بالنزول إلى ذلك المستوى .
و لن يمضى ذلك بالأشياء كذلك إلى المستوى الذى ينبغي أن تكون عليه – لكن ستجعلها تنحطّ و تبتعد عن ما هناك حاجة للتركيز عليه – متى تقدّم شخص و تقدّمت مجموعة بصراحة بوجهات نظرها و أهدافها ، بدلا من الردّ على جوهر هذه النظرة و الأهداف ، يتمّ " الردّ " بإتّهامهم بالتكبّر لتقديمهم نظرتهم و أهدافهم ، أو بمحاولة تجاهلهم على أنّهم " طائفة " أو بالمطالبة ب : " من أنتم لتقولوا إنّكم تعرفون ما هو المشكل و ما ينبغي القيام به ؟ " بدلا من ذلك ، ثمّة حاجة للتركيز على : ما الذى يدافع عنه هذا الشخص أو تدافع عنه هذه المجموعة – و أيّ شيء يتناسب حقّا مع الواقع و مع مصالح الإنسانيّة ، و أيّ شيء لا يتناسب معها ؟ أو ما هي الأشياء التي تمضى ثمّ تعود ، و ما هي الأشياء التي تحدث قطيعة و تمضى إلى حيث تحتاج أن تمضي ؟
يحتاج الناس إلى أن يشدّدوا على أنّ هذه المسائل هي المسائل التي ينبغي التركيز عليها . و هناك نقطة منهجيّة متّصلة بذلك و هامة . عند عقد مقارنة بين وجهات النظر ، في الجدالات ، ما هي المقارنة الواجبة ؟ على سبيل المثال ، كتبنا جدالا طويلا ضد الفلسفة السياسيّة لآلان بادي ، ما يسمّيه بسياسة التحرير – وهي في الواقع مجرّد سياسة البقاء في إطار العالم كما هو ، منحصرا ضمن العالم البرجوازي- و عندما أقول " كتبنا " أحيل على الجدال المكتوب في مجلّة " تمايزات " المنشورة على الأنترنت و التي تقدّم وجهات نظر و آفاق حزبنا، الحزب الشيوعي الثوري . (1) و الذين كتبوا ذلك الجدال إشتغلوا عليه باذلين قصارى الجهد . لقد قرأوا الكثير عن ما يقوله آلان باديو و طبّقوا منهج التعاطي مع أفضل الحجج التي يقدّمها باديو نفسه و ما يراه جوهر الأشياء ، في تعارض مع توجيه ضربات رخيصة . و لئن إطّلعتم على ذلك الجدال ، سترون أنّه لا يتطرّق إلى فلسفته كلّها و إنّما يتطرّق إلى فلسفته السياسيّة و توجّهه السياسي ، و يتعمّق في ما يقوله حول ذلك و يبيّن ما هو خاطئ – على نحو يمكّن الناس الجدّيين عمليّا من التعمّق و الحصول على فهم – في تعارض مع توجيه ضربات رخيصة و الترويج لما يقوله الناس من تشويهات و ما إلى ذلك . و بدلا من ذلك ، لنتفحّص حقّا ما يقوله الشخص، في أفضل عرض لما يمكن له أن يحاجج من أجله ، و تاليا ، لنتفحّص ما إذا كان صحيحا أم خاطئا ، و ما هي المصالح التي يخدمها عمليّا . هذه هي المعايير التي يجب على الناس أن يجتهدوا من أجل تطبيقها – و يشدّدوا عليها .
و كذلك ، ينبغي على الناس أن يفهموا ليس فقط أنّ الثرثرة و الترويج للإشاعات و التهجّم على الأشخاص و " روايات الشكاوي الشخصيّة " ، و كلّ بقيّة ذلك ، تتسبّب في الكثير من الضرر بمعنى الإنحطاط بإنتباه الناس نحو البالوعة ، و إباعاد الناس عن التركيز على القضايا الكبرى التي تحدث حقّا الفرق في ما يتعلّق بما إذا كان العالم سيبقى على ما هو عليه ، أو سيتمّ تغييره تغييرا راديكاليّا و كيف ذلك ؛ لكن أيضا يساعد بشكل كبير قوّات قمع النظام الراهن . و يوفّر الكثير من الوقود لها ، و يخلق جوّا يكون بوسعهم عمليّا إرسال عملاء لهم و إستخدام كلّ هذا الجوّ لإشعال الكثير من النيران بين الناس .
لقد وُجدت عدد كبير من التجارب المريرة بهذا المضمار . و على سبيل المثال ، وُجدت إختلافات سياسيّة تطوّرت صلب حزب الفهود السود في فترة معيّنة ن لا سيما في نهاية ستّينات القرن العشرين و بدايات سبعيناته . و وُجدت إنقسامات حيث تجمّع أناس حول هواي نيوتن من جهة و أناس حول ألدردج كليفر من الجهة الأخرى . و كانت خلافاتهما كبيرة . لكن ، غالبا ، بدلا من هذه الإختلافات التي يقع الصراع بشأنها على مستوى ما يقوله أحدهما بخصوص المشكل الذى تواجهه الثورة ، و ما يقوله الآخر – و من هو على حقّ أم أنّ كلاهما على حقّ جزئيّا ، أم أنّهما معا مخطئين ؟ - بدلا من التركيز على ذلك ، وقع رمي الكثير من الهراء الشخصيّ في تلك اللعبة ، و جدّت تهجّمات شخصيّة . و نجم عن ذلك جوّ فيه تمكّن البوليس السياسي – الأف بي أي ، و ممثّلي قوّات الدولة – من تطوير عمله . تمكّنوا من جعل الناس يتقاتلون و أحيانا تمكّنوا من جعل الناس يضربون بعضهم جسديّا و يهاجمون بعضهم بينما أمكن للدولة أن تقول : " أنظروا ، لسنا نحن ، إنّهم ببساطة يتقاتلون مع بعضهم البعض – و هذا يبيّن لكم أنّ هؤلاء الثوريّين ليسوا جيّدين ، إنّهم يتقاتلون " .
لذا مثل هذا الجوّ لا يُبعد فقط عن الفهم الصحيح للأشياء و يشوّش على القدرة على بلوغ جوهر الأشياء فحسب و إنّما أيضا يُحبط الجماهير الشعبيّة التي إرتفعت آمالها بإمكانيّة حدوث تغيير راديكالي من أجل الأفضل ، بينما يوجد جوّا فيه قوى النظام القائم التي ليست إضطهاديّة فقط بل كذلك مجرمة تماما ، قد تتمتّع بظروف أكثر مؤاتاتا لتحرّكاتها . و ليس أبالغ – إنّها مجرمة على نطاق واسع . و إذا لم تصدّقوا ما أقوله ، أنظروا ما الذى قاموا به عبر العالم و كذلك داخل الولايات المتّحدة نفسها . لقد قتلوا الملايين و الملايين من الناس أو إستعبدوهم ، أو طردوهم من أرضهم أو دفعوهم إلى معسكرات إعتقال ، في ما هو الآن الولايات المتّحدة ذاتها ، و كذلك في كلّ ركن من أركان العالم .
هذا ما نحن ضدّه . و ليس بوسع تغذية جوّ أين تكون الأشياء ذات مستوى رخيص و تافه و شرّير – فاسحين المجال لشكاوي شخصيّة أو روايات شخصيّة ، عوضا عن التركيز على القضايا الكبرى – إلاّ ان يساعد القوى المجرمة حقّا التابعة للدولة الإضطهاديّة ، سواء شاء الناس ذلك أم لم يشاؤوا . قد يقوم بذلك بعض الناس عن وعي ، يبحثون عن وعي عن مساعدة الدولة – سواء كانوا هم أنفسهم عملاء للدولة أم أصبحوا كذلك فاسدين تماما بسبب نظرتهم الضيّقة الخاصة ، و هم ينوون القيام عمليّا بالأشياء التي يعرفون أنّها ستساعد الدولة – أو يقومون بذلك عن غير وعي ، لكن لذلك التأثير نفسه .
و عليه ، يجب أن يوجد صراع . على الناس أن يقولوا : لا ، لنرفع من مستوى نظراتنا . و هذا ليس المستوى الذى يجب أن تصارع الأشياء فيه . هذا ليس المستوى الذى ينبغي إنجاز النقد و خوض الصراع فيه . و علاوة على ذلك ، هذه ليست الطريقة التي سنحكم بها على ما هو صحيح و ما هو غالط . لئن إنحدرت الأمور إلى مستوى هذه الروايات الشخصيّة و الإغتياب ، عندئذ أولئك الذين ليسوا معنيّين من المرجّ؛ جدّا أن لا يكونوا قادرين على بلوغ فهم صحيح لما جرى . لكن بوسعنا أن نحكم على ما يدافع عنه مختلف الناس و ما يقولون إنّه المشكل و ما هو الحلّ الذى يقدّمونه . على هذا يجب أن يقع تركيز إنتباه الناس . و يجب أن يتمّ التشديد على ذلك : لا ، لن ننحدر إلى الدرك الأسفل ، لن نلعب بين يدي العدوّ ، لن نخدم هذه الطبقة الحاكمة التي هي تماما طبقة عالميّة تمثّل زمرة من الصعاليك المجرمين – و مرّة أخرى ، أقول إنّه دون أيّ مبالغة – لن نلعب لعبتهم بالبقاء في ذلك المستوى . و سنناضل في الحقل الثقافي الأوسع لنقول للناس : لنخرج من هذا المستنقع ، و لننهض من أجل مستقبل الإنسانيّة ؛ و بصدد ذلك ، أجل ، لنخض الكثير من الصراعات الحادة لكن المبدئيّة – حول مضمون ما تقف الإنسانيّة ضدّه و مضمون ما نحتاج القيام به .
هامش : 1- ريموند لوتا ، نايي دونيا و ك. ج. أي ، " " سياسة التحرير " لآلان باديو : شيوعيّة منحصرة في إطار العالم البرجوازيّ " ، " تمايزات : مجلّة نظريّة و جدالات شيوعيّة " ، عدد 1 ، صيف – خريف 2009 ، demarcations-journal.org .و العدد التالي ( الثاني ) من هذه المجلّة وقعت برمجة صدوره في صيف 2012 .
[ هذا المقال عن آلان باديو متوفّر على صفحات الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ]