العمال الفلسطينيون بين الاحتلال والقانون الدولي: رصاص على الجدار وإعتقالات وبطالة قسرية وواقع إنساني مشرّع للعنف


جهاد عقل
2025 / 11 / 19 - 15:08     

البداية: الاحتلال وسياسات العمل في ضوء القانون الدولي
يشكّل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 واحداً من أطول أنظمة الاحتلال العسكري في العصر الحديث. وبموجب القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف الرابعة ولوائح لاهاي، يتحمّل الاحتلال مسؤولية حماية السكان المدنيين وضمان رفاههم الاقتصادي والاجتماعي. وتحديداً، تنص المادة 39 من اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة السماح للسكان بالعمل وبتأمين مصادر العيش وعدم تعريضهم لعقوبات جماعية تهدّد حياتهم.
لكن الواقع الفلسطيني يكشف نمطاً منهجياً من السياسات التي تؤدي إلى الإفقار والإقصاء الاقتصادي، وتضرب الحق في العمل كأحد الحقوق الأساسية المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذه السياسات لا تُلحِق الضرر بالعمال فحسب، بل تعمّق التبعية الاقتصادية وتُبقي المجتمع الفلسطيني رهينة لإجراءات الاحتلال وإدارته التعسفية لحركة السلع والأفراد.

رصاص على الجدار: محاولة العيش كجريمة
لا يكاد يمر يوم دون أن يتعرض العمال الفلسطينيون الى العنف ، اذا كان ذلك بإطلاق النار عليهم عند محاولاتهم كسر لحصار المفرو عليهم ، بالعبور عبر فتحات في الجدار الفاصل او تسلق سلالم يضعونها من اجل القفز عن الجدار الفاصل، مما يعرضهم للموت أو الإصابة بجراح خطيرة برصاص الجيش الإسرائيلي وهم في طريقهم للبحث عن فرصة عمل داخل الخط الأخضر. هذا عدا عن الإعتقالات والتعذيب والسجن ودفع الغرامات في حال قبض عليهم داخل الخط الأخضر في نطاق السياسة القائمة لحكومة اليمين المتطرف في اسرائيل.
هذه السياسة تشكّل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من العنف الذي يواجه العمال الفلسطينيون عند نقاط العبور وفي المناطق الزراعية المحاذية للجدار.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مُنع أكثر من 230–240 ألف عامل من الضفة الغربية من العودة إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر. هذا القرار، الذي جاء بدون أي إطار قانوني واضح وبلا بدائل اقتصادية، حوّل عشرات آلاف العائلات الفلسطينية إلى بطالة قسرية في ظرف سياسي واقتصادي خانق.
ارتفعت معدلات الفقر بشكل كبير داخل مناطق السلطة الفلسطينية، خصوصاً في شمال الضفة الغربية الخاضع أصلاً لسياسات حصار اقتصادي وإغلاق الطرق. وأمام غياب البدائل، يضطر العمال إلى المخاطرة بحياتهم لعبور الجدار، ما أدى خلال العامين الماضيين إلى سقوط قتلى وجرحى—غالباً من الشباب—لمجرد محاولتهم البحث عن لقمة العيش.

رصاص على الجدار: محاولة العيش كجريمة
أصيب مؤخراً عاملان فلسطينيان برصاص الجيش الإسرائيلي في الرام أثناء محاولتهما عبور الجدار بحثاً عن عمل، في ظل منع أكثر من 230–240 ألف عامل من الضفة من دخول الخط الأخضر منذ 7 أكتوبر 2023. هذا المنع غير المبرر أدى إلى بطالة قسرية وارتفاع الفقر، ودفع الآلاف للمخاطرة بحياتهم لعبور الجدار، هذا إضافة الى وضع الحواجز التي تقطّع أواصر التواصل والتنقل ما بين المدن والقرى وتعيق وصول العمال الى أماكن عملهم الشحيحة في إطار ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، حيث تقوم قوات الإحتلال بوقف عبور السيارات والقيام بعمليات تفتيش ، بل تنكيل بالركاب والسائقين وبذلك تمنعم من الوصول الى مكان عملهم أو حتى ممارسة حياتهم الطبيعية ،مثل مراجعة علاجية لطبيب وغيرها.

عنف المستوطنين: اعتداءات بلا رادع وحماية رسمية
يتعرّض العمال والمزارعون وعائلاتهم أيضاً لظاهرة متصاعدة من اعتداءات المستوطنين، التي تشمل:
قطع وسرقة أشجار الزيتون، عرقلة موسم قطف الزيتون والاعتداء على المتطوعين،حرق سيارات ومنازل ومنشآت وبيوت عبادة، تهجير مجتمعات رعوية فلسطينية بأكملها.
وفي الكثير من الحالات لا يقتصر دور الجيش الإسرائيلي على عدم الردع، بل يقوم بحماية مجموعات المستوطنين في أثناء الاعتداءات، في انتهاك صريح لمبدأ مسؤولية قوة الاحتلال عن حماية المدنيين،بل انتهاك للمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم قوة الاحتلال بحماية المدنيين. وتحويل المستوطنين عملياً إلى أذرع عنف شبه رسمية.
هذه الاعتداءات لا تستهدف الأفراد فحسب، بل تضرب مصدر رزق يعتمد عليه أكثر من 100 ألف أسرة فلسطينية، وتشكّل هجوماً على الوجود الفلسطيني نفسه في الريف، بما يخدم هدفاً سياسياً واضحاً: تفريغ الأرض من أصحابها.

تقاعس "الهستدروت" النقابة العامة للعمال في اسرائيل
ورغم أن عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر يخضعون قانونياً ونقابياً لإطار عمل يفترض أن يكون الهستدروت مسؤولاً عنه، إلا أن الدور النقابي يكاد يكون غائباً تماماً. فالهستدروت يجبي منذ عقود رسوماً نقابية من العمال الفلسطينيين دون تمثيل فعلي، ودون توفير حماية أو إصدار مواقف تدين إطلاق النار أو الاعتداءات أو البطالة القسرية التي فرضت عليهم بعد 7 أكتوبر. كما لم يتدخل للدفاع عن العمال المفصولين أو المعتقلين أو المطاردين عند الجدار، في مخالفة واضحة لمعايير منظمة العمل الدولية (الاتفاقية 87 و98) التي تلزم النقابات بالدفاع عن جميع العمال دون تمييز.
كما أن تجاهل الهستدروت لمعاناة العمال الفلسطينيين -الذين ساهموا لعقود في قطاعات البناء والزراعة والخدمات- يرسّخ نموذجاً من التفرقة النقابية التي تُقصي شريحة واسعة من القوى العاملة رغم مشاركتها الفعلية في الاقتصاد الإسرائيلي.
إن أي اتحاد نقابي يدّعي تمثيل العمال لا يمكنه تجاهل الانتهاكات الجسيمة التي تطال العمال الفلسطينيين يومياًز

الخسائر الاقتصادية: انهيار دخل العمال وتداعياته على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي
أدّى حرمان أكثر من 230–240 ألف عامل من الضفة الغربية من دخول أماكن عملهم داخل الخط الأخضر إلى خسائر مالية ضخمة. فقد كان هؤلاء العمال يضخّون ما بين 900 مليون إلى مليار دولار سنوياً في الاقتصاد الفلسطيني من خلال أجورهم وفق تقديرات فلسطينية، وهي أموال تمثل أحد أهم مصادر الدخل للأسر في الضفة. ومع توقفهم القسري عن العمل، دخلت عشرات آلاف العائلات في دائرة الفقر، وارتفعت معدلات الديون الداخلية، وتراجع الطلب الاستهلاكي بما أدى إلى تباطؤ اقتصادي واسع داخل الضفة.
أما الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد في قطاعات البناء والزراعة والخدمات على العمالة الفلسطينية بشكل أساسي، فقد تكبّد خسائر كبيرة أيضاً. فغياب العمال الفلسطينيين أدى إلى توقف نحو 70% من مشاريع البناء خلال الأشهر الأولى بعد المنع، وفق تقديرات اقتصادية إسرائيلية، وخسائر وصلت إلى مليارات الشواكل. هذا يثبت حقيقة مركزية: أن العمال الفلسطينيين جزء أساسي من بنية الاقتصاد الإسرائيلي، وأن إقصاءهم يشكّل ضرراً مشتركاً للطرفين، لكنه يتحول إلى كارثة معيشية قاتلة على الجانب الفلسطيني.

الصور القاتمة لعمال غزة: الحصار، الإغلاق، والانهيار الاقتصادي
قبل 7 أكتوبر 2023 كان نحو 18 ألف عامل من غزة يعملون داخل الخط الأخضر. بعد الحرب وسقوط آلاف الضحايا، فقد مئات العمال حياتهم أو اعتقلوا أو اختفوا قسرياً. أما من بقوا في غزة، فيواجهون:
- بطالة تتجاوز 80–90% حسب تقارير منظمة العمل الدولية.
- دماراً شاملاً في المصانع والورش، حيث دُمرت أكثر من 85% من المنشآت الصناعية.
- حصاراً يمنع الحركة والعمل لأكثر من 18 عاماً، في مخالفة للمادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
- التحكم الكامل بالتصاريح، وهي ممارسة ترقى للعقاب الجماعي المحظور وفق المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.

خاتمة: حماية العمال الفلسطينيين واجب دولي وليس شأناً محلياً
إن حماية الحق في العمل وحرية الحركة، وضمان أمان المزارعين والعمال، ليست مطالب اجتماعية بل حقوق إنسانية نص عليها القانون الدولي. المطلوب تشكيل جبهة حقوقية ونقابية عربية ودولية للدفاع عن العمال الفلسطينيين وضمان كرامتهم في الضفة وغزة.

المراجع القانونية والحقوقية:
1. اتفاقية جنيف الرابعة، المواد 27، 33، 39.
2. العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المادة 6.
3. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المادة 12.
4. لوائح لاهاي لعام 1907.
5. تقارير منظمة العمل الدولية حول العمالة الفلسطينية 2023–2024.
6. اتفاقيات منظمة العمل الدولية رقم 87 و98 بشأن التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية.
7. تقديرات اقتصادية فلسطينية وإسرائيلية حول خسائر العمالة 2023–2024.