لأجل طبقة عاملة مستنيرة

قاسم الحلال
2025 / 11 / 17 - 21:56     

في مسعى جاد لخلق طبقة عاملة مستنيرة لابد لنا أن ندرك الأساليب الصحيحة في خوض هذا النضال بغية الدفاع عن حقوقنا ومكتسباتنا المهدورة، مما يتطلب منا جميعاً اتخاذ أساليب نضالية تجسد حواراً للمناقشة للخروج بمرئيات تخدم وتثري حقلنا الثقافي وتطويره ايديولوجياً، وذلك لملىء النواقص الذاتية والنهوض بوعي الجماهير، علينا أن ننظر إلى التناقضات المزمنة المتراكمة بجدية وتمعن لكي نقضي على التخبط والتردد والتلكؤ في فهم النصوص الإيديولوجية، يجب أن نجعل من ذكرانا ومهرجاناتنا مناسبات وفرصاً للتوعية والانصهار في بوتقة الفكر، لكي نتجرأ أكثر في فتح بؤر المناقشة والحوار.

على الطبقة العاملة أن تحقق نجاجات ومكاسب في عملها، وهذا غير ممكن إلا عبر تثبيت كيانات العمل النقابي وتطوير أدوات عملها ودورها، لكي لا يكون نضالنا مجرد عمل عبثي، بل نضالاً مرتبطاً بتقاليدنا الثورية ضاربة الجذور في ثقافات حركات التحرر الوطني والأممي، فالمفاهيم الأيديولوجية الملتزمة بالخط السياسي تلازم، بالضرورة، مسارنا النضالي الذي يخدم النظرية العلمية بأساسياتها الفلسفية والفكرية، كما وضعها كارل ماركس بمعناها المادي الديالكتيكي هي مناهضة التخلف الرجعي ومؤسساته، التي هي أدوات بيد البرجوازية التي تتنمر على الطبقة العاملة وتسعى لتشويه وعيها.

إننا نطمح إلى ممارسات نضالية فعلية نابعة من أعماق وعينا المنهجي لكي نستطيع أن نتصدى لأعدائنا الطبقيين وللرجعية الظلامية وبهذه الروح ستتوطد مشاركة جماعية لكادحينا، شيئاً فشيئاً، وإننا كتوجه ديموقراطي نعتبر حرية المبدأ أساساً في المشاركة العامة للجميع دون تمييز، والتجربة تؤكد أن واجب من يمتلك القدرة أن يعمل بصبر وجد، وأن لا ينخرط في صدام وتخبط نتائجه حتماً بلا فائدة.

علينا أن ننظر الى التاريخ بتمعن لكي يكون نضالنا مرتبطاً بممارسات ملموسة لفكر الطبقة العاملة، كما أن محاربة الفكر الرجعي والبرجوازي دون طرح فكراً نيّراً مقنعاً واضحاً، لن يقدّم إجابات وتفاسير شافية لما يجري من تحولات، وإنما تفاسير سطحية بلا دلائل، وكلما تعمقنا في إعطاء البراهين والحقائق كلما نجحنا في توضيح الفكرة وتحري الدقة في المعلومة.

من هنا لا يستطيع طرف أن يهيمن على الطرف الواعي المتنور المسلح بالحقائق لا بالديماغوجيا والتشرذم والانغلاق والتشرد، حيث الوقوع حتماً في دائرة الانحدار والتقوقع والتهرب من المسؤوليات الاجتماعية، وهذا عيب يتحمله كل من لا يسعى إلى إعطاء صيغة تقدمية تواكب العصرنة في العلوم والتطور الاجتماعي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وهنا الخوف من تسيد وهيمنة القوى البرجوازية المستغلة (بكسر الغين) على الجميع، وهنا الطامة الكبرى، حيث يعمّ الخراب ويغيب، او يضعف، تلاحم القوى الكادحة عن الساحة التي نسعى لأمميتها.

إن استئصال بذور الرجعية من صفوف الطبقة العاملة والكاحين عامة يحتاج إلى مثابرة وهدوء، وذلك لكي نتفهم ظروف كادحينا، بذلك تكون استنتاجاتنا صائبة لا تهضم حق أحد في وقت يحتاج فيه الكادح أن يطور من ذاته وحياته المعيشية، فيما تحاول الرجعية الوصول إلى التنظيمات العمالية التي تحرص على وحدة العمال دون تمييز.

لماذا القفز فوق تنظيم عمالي ديموقراطي موحد يهدف إلى النضال لأجل الدفاع عن قضايا تهمّ كل أبناء الطبقة العاملة دون استثناء، فمن الضرورة أن يسعى الجميع لتوحيد صف هذه الطبقة بدلاً من السعي للانفرادية التي تعزز التفكك، وفي هذه الحالة علينا ان نوضح للطبقة العاملة الاختلاف بين منبر الوطنية وتطرف الرجعية العدائي، حيث تلجأ الأخيرة، اي الرجعية، على الدوام لتشويه القوى الوطنية التي تختلف معها، بدل أن تمد جسور التحاور، وهو سلوك لا يعزز روح التضامن لأجل خلق قاعدة عريضة لأجل مجتمع متماسك محب يهدف الى البناء الاجتماعي بالطبع، فيما النهج الآخر يؤدي إلى شيوع حالة من اليأس والضياع وعدم الثقة في الأفكار التي ناضل الناس في سبيل انتصارها وفي أن تكون هي السائدة في المجتمع، بدل أفكار الإحباط والخيبة.

إن أي موقف يخالف النسيج الاجتماعي لا يمثل، بالطبع، بعداً يطرح الانتماء للوطن، ولا يمثل حباً لعامة أبناء هذا الوطن، فالانتماء يعني احترام مبادئ أبناء الشعب قاطبة، اما الاستمرار في اجترار التنظير المستهلك الفاشل لا يجدي نفعاً، وبجهودنا الجبارة نستطيع أن نبدد التباعد المؤرق الذي نعاني منه كلنا ونحقق المستحيل، لنؤكد بأن اليد الواحدة لا تصفق، وحين ندرك ذلك ونعمل في سبيله بكل جد واجتهاد سنكسب الرهان وننتصر، وهذا ما تؤكده تجارب الشعوب وقواها الحية، بما فيها تجربتنا.