الحلقة الأولى من (سلسلة مفاهيم مختصرة في مشروع حسن خليل غريب الفكري).
حسن خليل غريب
2025 / 11 / 17 - 21:52
مدخل إلى سلسلة مفاهيم مختصرة
في مشروع حسن خليل غريب الفكري
إلى القراء الأعزاء،
يسرّني أن أشارككم سلسلة من المفاهيم المختصرة التي تنتمي إلى مشروع فكري عملت على تأسيسه وتطويره على مدى سنوات طويلة، تحت عنوان: "سلسلة مفاهيم في مشروع حسن خليل غريب الفكري"، والتي سأقوم بنشرها تباعًا على هذه الصفحة.
تهدف هذه السلسلة إلى تقديم رؤية فكرية تسعى لإغناء الفكر القومي العربي، عبر إضافة لبنة جديدة إلى صرحه الذي شيَّده مفكرون عرب سابقون، آملًا أن تسهم هذه المساهمة في دفع عجلة البناء الفكري القومي نحو مزيد من النضج والتكامل.
كما أطمح أن تكون هذه المفاهيم حافزًا للأجيال القادمة من المفكرين العرب، كي يواصلوا هذا المشروع الحيوي، الذي لا ينبغي له أن يتوقف أو يتجمّد، بل يجب أن يتفاعل مع التحولات المستمرة في السياسة والاجتماع والاقتصاد والفلسفة، على المستويين القومي والإنساني.
فالعقل البشري، بما ينتجه من أفكار ومعارف، هو رافعة لتقدم المجتمعات كافة، وينبغي للمفكرين العرب أن يكونوا جزءًا فاعلًا في هذا المسار، تمامًا كما كان أسلافهم الذين استلهموا من الفكر اليوناني، وأسهموا في نهضة الفكر الأوروبي منذ عصر ابن رشد، كما تثبت ذلك وقائع التاريخ العلمي والفلسفي.
وسأبدأ هذه السلسلة بحلقتها الأولى، التي تحمل عنوان:
"رؤية فكرية وميدانية لتأسيس دولة قومية مدنية،
تتجاوز الانقسامات وتواجه الهيمنة الداخلية والخارجية"،
وهي تمثّل المدخل الأساسي لتعريف المشروع الذي أنتمي إليه فكريًا وميدانيًا.
رؤية فكرية وميدانية لتأسيس دولة قومية مدنية،
تتجاوز الانقسامات وتواجه الهيمنة الداخلية والخارجية
مقدمة:
في زمن تتنازع فيه الهويات وتتشظى فيه المشاريع الفكرية، يقدّم حسن خليل غريب مشروعًا فكريًا متكاملًا لإعادة بناء الذات العربية على أسس عقلانية، وحدوية، ومدنية، بعيدًا عن الاستبداد والطائفية والتبعية. يتوزع هذا المشروع على خمس محطات مترابطة، تبدأ بالتأصيل النظري، وتنتقل إلى النقد الداخلي والخارجي، ثم إلى بناء الجسور بين التيارات الفكرية، وتنتهي بتجسيد الفكر في المقاومة والحراك الشعبي.
1-المحطة الأولى: تأصيل العلاقة بين العروبة والإسلام:
في كتابه "في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام"، يفكك غريب التناقض المصطنع بين الهوية القومية والدينية، مؤكدًا أن العروبة كانت الحاضنة التاريخية للإسلام، وأن تسييس الدين أضرّ بالوحدة الوطنية. يدعو إلى فصل الدين عن الدولة دون إقصائه من الحياة العامة، ويؤسس لرؤية حضارية تتجاوز الانقسامات الطائفية.
أما في كتابه "الردة في الإسلام"، فيقدّم قراءة عقلانية لمفهوم الردة، كاشفًا كيف استُخدم لقمع الفكر الحر وتكريس السلطة، داعيًا إلى تحرير الدين من قبضة السياسة، والعقل من سطوة الفقه المغلق.
2-المحطة الثانية: نقد الهيمنة الخارجية:
في كتابه "تهافت الأصوليات الإمبراطورية"، ينتقل غريب من نقد الذات إلى نقد الآخر المهيمن، متناولًا الأصوليات الدينية والسياسية التي تمارس الهيمنة باسم العالمية. يربط بين التحرر الداخلي والتحرر من الخارج، داعيًا إلى مشروع قومي عربي مستقل، عقلاني، ومتحرر من الأيديولوجيات المغلقة.
3-المحطة الثالثة: تأسيس الدولة القومية المدنية:
يتوّج غريب مشروعه بكتاب "القومية العربية من التكوين إلى الثورة"، حيث يدرس نشأة الفكر القومي العربي وتطوره، ويؤسس لرؤية فلسفية واجتماعية تدعو إلى بناء دولة حديثة، تستفيد من التجارب التاريخية دون إسقاطات أيديولوجية. يُعد هذا الكتاب الركيزة النظرية لمشروعه النهضوي، ومنصة لفهم العلاقة بين العروبة، والدين، والدولة في سياق عربي مأزوم.
4-المحطة الرابعة: بناء الجسور بين التيارات الفكرية العربية:
أ-مع التيارات الإسلامية: في كتاب "نحو طاولة حوار بين المشروعين القومي والإسلامي"، يدعو غريب إلى تجاوز القطيعة التاريخية بين العروبة والإسلام، منتقدًا الانقسامات المذهبية وتسييس الدين. يرى أن التكامل بين المشروعين القومي والإسلامي ضرورة حضارية، ويؤسس لحوار يعترف بالاختلاف دون خصومة.
بـ-مع التيارات الماركسية: في "الماركسية بين الأمة والأممية"، يعيد قراءة الفكر اليساري من منظور قومي، منتقدًا الأممية المجردة التي تتجاهل الخصوصية العربية. يدعو إلى حوار على أساس النضال المشترك ضد الاستعمار والهيمنة، وتجاوز الانغلاق العقائدي لبناء مشروع نهضوي عربي جامع.
5-المحطة الخامسة: من الفكر إلى الفعل – المقاومة والحراك الشعبي:
أ-المقاومة كفعل تحرري: يرى غريب أن المقاومة ليست فقط عسكرية، بل فكرية وثقافية، وهي ضرورة لمواجهة مشاريع التفتيت والتطبيع. يدعو إلى ربط المقاومة بالمشروع القومي العربي، ويعتبر أن أي مقاومة بلا رؤية قومية تبقى ناقصة.
بـ-رؤيته للمقاومات العربية:
-العراقية: مقاومة طبيعية ضد الاحتلال، استعصت على الاجتثاث، وكانت الأكثر ضراوة في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
-الفلسطينية: إبداع في الوسائل، وواجبات تتجاوز المواجهة العسكرية إلى بناء نموذج وطني مقاوم.
-اللبنانية: قبل 1991 كانت نموذجًا للوحدة، وبعدها تحولت إلى مقاومة فئوية احتكرها حزب الله، ما أفقدها بعدها الوطني والقومي.
-الحراك الشعبي بعد 2019: يصفه بأنه موجة جديدة تتسم بالوعي السياسي والتنظيم السلمي، وتمثل فرصة لإعادة بناء الهوية العربية بعيدًا عن الطائفية. يدعو إلى تحويل الحراك من رد فعل إلى فعل استراتيجي مستقل عن التدخلات الخارجية.
6-خلاصة المشروع: مشروع حسن خليل غريب هو دعوة فكرية وميدانية لإعادة بناء الأمة على أسس عقلانية، مدنية، ومتحررة، عبر تفكيك البنى الطائفية والاستبدادية، ومواجهة الهيمنة الخارجية، وتأسيس دولة قومية عربية حديثة، تتكامل فيها التيارات الفكرية وتُترجم إلى مقاومة شعبية وحراك شبابي واعٍ.