نقابات أفريقيا جنوب الصحراء تعيد بناء استراتيجياتها في ضوء التحولات العالمية خلال المؤتمر الرابع للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة.
جهاد عقل
2025 / 11 / 17 - 09:39
في البيان الصادر عن النقابات في جنوب أفريقيا والصحراء
يوم 17 تشرين الثاني /نوفمبر 2025 أخمية لخاضر ومستقبل الحركة النقابية في افريقيا حيث
مثّل انعقاد المؤتمر الرابع للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة(IndustriALL Global -union-) في سيدني بين 4 و7 نوفمبر 2025 محطة استراتيجية بالغة الأهمية للنقابات في أفريقيا جنوب الصحراء، ليس فقط من حيث التوقيت، بل من حيث طبيعة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والجيوسياسية التي تعصف بالقارة. فقد جاء المؤتمر تحت شعار "تنظيم العمال من أجل مستقبل عادل" ليشكّل إطارًا شاملاً لإعادة التفكير في أدوات القوة النقابية، وإعادة ضبط الأولويات، وبناء تحالفات جديدة في عالم يتغيّر بسرعة غير مسبوقة.
أولاً: أهمية المؤتمر الرابع كمنصة لتجديد الرؤية النقابية
يأتي انعقاد المؤتمر في لحظة تواجه فيها الحركة النقابية العالمية تحديات ضخمة:
- صعود الشركات العابرة للحدود وهيمنتها على سلاسل القيمة،
- تراجع الحماية الاجتماعية في العديد من الدول،
- التحولات الرقمية التي تهدد ملايين الوظائف،
- أزمة المناخ وما تفرضه من انتقالات اقتصادية قاسية،
- تراجع الديمقراطية النقابية في عدة مناطق.
بالنسبة للقارة الأفريقية، يحمل المؤتمر بعدًا أعمق، إذ إن النقابات في المنطقة تسعى لإعادة بناء نفوذها وسط أزمات مركّبة، أبرزها:
- معدلات بطالة شبابية غير مسبوقة،
- اقتصاد غير رسمي يبتلع غالبية العمال،
- استغلال الشركات الأجنبية للمعادن دون تعزيز التصنيع المحلي،
- ضعف الأجور وغياب سياسات حماية فعالة،
- ونزاعات عمل متصاعدة في قطاعات التعدين والطاقة والبناء والصناعات التحويلية.
وبذلك، شكّل المؤتمر فرصة جماعية لتقييم التجربة النقابية الأفريقية واستشراف مستقبلها عبر تبادل الخبرات مع نقابات من أكثر من 140 دولة.
ثانيًا: مستقبل العمال في سياق التحولات الاقتصادية – نحو نموذج جديد للتصنيع المحلي
تشهد أفريقيا جنوب الصحراء اليوم طفرة عالمية في الطلب على المعادن الحرجة مثل الليثيوم والكوبالت والنحاس، وهي معادن أساسية للانتقال الأخضر وصناعة السيارات الكهربائية والبطاريات وتكنولوجيا الطاقة المتجددة.
لكن هذا الازدهار المعدني لم يتحوّل بعد إلى تنمية محلية أو خلق وظائف حقيقية.
وتشدّد النقابات على أن الاستمرار في تصدير المواد الخام دون تصنيعها محليًا يعمّق التبعية الاقتصادية ويؤدي إلى خسارة مئات آلاف الوظائف المحتملة في الصناعات التحويلية.
ثالثًا: أزمة الطاقة والتحوّل الأخضر… بين تهديد الوظائف وفرص المستقبل
ناقشت النقابات أيضًا الآثار المتسارعة لسياسات الانتقال العادل، خصوصًا في جنوب أفريقيا التي تشهد إغلاقًا تدريجيًا لمحطات الكهرباء العاملة بالفحم.
وأكدت النقابات أنّ التحوّل الأخضر بدون سياسات إعادة تأهيل العمال ومشاريع عمل خضراء لن يكون عادلاً. وطرحت بدائل عملية تشمل تدريب العمال والاستثمار المحلي في سلاسل القيمة النظيفة.
رابعًا: الرقمنة والأتمتة… تهديد أم فرصة؟
رغم المخاوف الواسعة من فقدان الوظائف نتيجة الرقمنة، عرضت النقابات رؤية أكثر توازناً، تقوم على:
- استخدام التكنولوجيا لتعزيز قدرة التنظيم النقابي،
- رقمنة أدوات مراقبة سلاسل التوريد،
- تطوير منصات لتسجيل العمال غير الرسميين،
- تمكين النساء والشباب عبر التدريب الرقمي.
خامسًا: لماذا تزداد قوة النقابات في أفريقيا رغم التحديات؟
يبدو أنّ حقبة جديدة من العمل النقابي تنطلق في أفريقيا جنوب الصحراء، مدفوعة بتغيّرات عدة:
1. تزايد النزاعات العمالية في قطاعات الطاقة والبناء والتصنيع.
2. عودة النقابات لدور سياسي أقوى نتيجة تراجع قدرات الحكومات على معالجة الأزمات.
3. تنامي الوعي لدى الشباب الذين يشكّلون غالبية السكان.
4. خطر تمدد الشركات متعددة الجنسيات دون قيود.
سادسًا: أصوات من قلب الحركة النقابية الأفريقية
"لا بد من إنهاء عصر تصدير ثروات أفريقيا دون قيمة مضافة. التصنيع المحلي هو الحلّ لوقف النزيف الوظيفي."
– مفو فاكيدي، NUM
"التكنولوجيا قادمة لا محالة… لكن يجب أن تكون أداة لتمكين النساء لا إقصائهن."
– بونيتا لوبسر، SACTWU
"مستقبل عادل يبدأ من احترام حقوق العمال عبر الحوار الاجتماعي أو عبر القضاء."
– الأمير وليام أكبوريا، NUPENG
وقالت روز أومامو
من الاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة:
"نحن قارة الشباب. والنسوية العمالية تعزّز قدرتنا على تنفيذ اتفاقية 190 وبناء عالم عمل خالٍ من العنف."
برأيي هناك أهمية لمواصلة النضال نحو وحدة نقابية عالمية للدفاع عن الطبقة العاملة
تُظهر نقابات أفريقيا جنوب الصحراء من خلال المؤتمر الرابع للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة (IndustriALL) أنّ مستقبل الحركة العمالية لا يمكن أن يُبنى بمعزل عن وحدة نقابية تتجاوز الحدود الوطنية والإقليمية. فالتحديات التي تواجه العمال اليوم ليست محلية، بل عالمية، مما يجعل التضامن الأممي ضرورة استراتيجية.
إنّ بناء عالم أكثر عدلاً يتطلّب حركة نقابية عالمية موحّدة ترى في كل عامل جزءًا من نضال واحد. وحدها النقابات الموحّدة، إقليميًا وعالميًا، قادرة على رسم ملامح مستقبل عمل عادل، مستدام، ومبني على الكرامة الإنسانية.