قد يفشل .. وقد يغتالونه معنويا أو ماديا
محمد بن زكري
2025 / 11 / 9 - 20:53
توطئة : كنت قد كتبت الأسطر التالية أدناه كتعليق على مقالة الكاتب جدعون ليفي ، المعنونة «الفقراء والمهمشون في إسرائيل يستحقون مامداني خاصا بهم» ، والمنشورة بعدد الحوار المتمدن 8519 ، على الرابط
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=892603
غير أنه نظرا لطول التعليق ، واستطراده جزئيا خارج الموضوع ، فقد ارتأيت تطويره ونشره مستقلا كمقالة ..
============
من المحتمل جدا - إنْ لم نقل إنه على الأرجح - أنْ لا يتمكن مامداني من الإيفاء بوعوده الانتخابية ، وأن يفشل في تنفيذ برنامجه الاشتراكي (الديمقراطي) ؛ ضمن الظروف وعلاقات القوى السائدة والحاكمة ، بأعتى نظام راسمالي نيوليبرالي ، مدجج بدبلوماسية حاملات الطائرات ، والعقوبات الاقتصادية ، وقوة الدولار المطبوع بالمليارات دون غطاء حقيقي سوى كونه عملة احتياطية عالمية ، رغم انهيار نظام بريتون وودز نتيجة للعجز المستمر والمزمن في ميزان المدفوعات الأمريكي .
فحتى لو تجاوب معه وآزره برلمان الولاية/المدينة (نيويورك) ؛ فإن التشريعات الفيدرالية ، بما فيها قانون الإعفاءات الضريبية ، الصادر مؤخرا عن الكونغرس بغرفتيه (تجديدا لإعفاءات ترامب الضريبية 2017) ، والذي من المتوقع أن يضيف إلى الدين العام الخارجي الأميركي 3,4 تريليون دولار ، زيادة على الدين العام الحالي الذي تجاوز 38 تريليون دولار ؛ ستكون إحدى العقبات أمام تنفيذ برنامج مامداني (الإصلاحي) ، لجهة زيادة الضرائب على أصحاب المليارات ، كي يتمكن بإيراداتها من تمويل برنامجه الاشتراكي الديمقراطي ، ضدا من النيوليبرالية الأميركية ، وبخاصة في عهد دونالد ترامب وفريقه من المحافظين الجدد . ذلك أنّ ابسط رد فعل عقابي من قبل طبقة المليارديرات ، هو نقل أنشطتهم إلى ولايات أخرى .
غير أنّ أهمية فوز مامداني ، تتمثل في ما يحمله من رمزية تَحوّل الوعي لدى أغلبية وازنة من الأجيال الأميركية الجديدة الشابة ، وبالذات فئة المتعلمين من طلبة وخريجي الجامعات ، الذين يمثلون بوعيهم التقدمي (التغييري) مصالح الكتلة الاجتماعية ذات النسبة العددية الأكبر (طبقة 99%) ، التي يعتمد 42 مليون نسمة منها على المساعدات الغذائية الحكومية (الصدقات) ، درءً للحاجة وسدا للجوع .
وإن البرنامج الانتخابي (الاشتراكي) الذي مكّن مامداني من الفوز بمنصب حاكم عاصمة الراسمالية العالمية نيويورك ، يذكرنا بحركة ‘‘ احتلوا وول ستريت ’’ الاحتجاجية سنة 2011 ، التي امتدت من نيويورك لتعم حوالي 600 مدينة وبلدة في أميركا ، بل وتجاوزت أميركا لتشمل نحو 1500 مدينة حول العالم .. وخاصة في دول أحزاب الاشتراكية الديمقراطية بأوربا ، وكانت حينها قد نادت بنفس المبادئ (الاشتراكية) لبرنامج مامداني ، حيث رفعت شعارات ومطالب العدالة الاجتماعية ، بصيغتها العامة الطوباوية (الاشتراكية الديمقراطية) حسنة النوايا ، من قبيل : ‘‘ نحن 99% ’’ و ‘‘ لن نتسامح مع جشع وفساد 1% ’’ و ‘‘ انزل إلى الشارع ، اصنع عالما جديدا ’’ و ‘‘ يا شعوب العالم انهضوا ’’ ...
لكن في المحصلة الواقعية ، لم يلبث أمر حركة ‘‘ احتلوا وول ستريت ’’ إلا قليلا ، قبل أن يأمر الرئيس الأميركي (المثقف) باراك أوباما بفض احتجاجات واعتصام شباب حركة وول ستريت في حديقة زوكوتي العامة ، باستعمال القوة الغاشمة : اعتقالا وضربا بالهري ورشا بمدافع المياه ؛ فالنظام الراسمالي - بديمقراطيته الليبرالية - لا يمكن مطلقا أن يسمح بأية فرصة لإمكانية قيام نقيضه الاشتراكي .
وكما انتهت حركة وول ستريت إلى الفشل ، بمثل ما انتهى إليه فوز إئتلاف سيريزا اليوناني في انتخابات عام 2015 باليونان ، وبدلالة ما انتهت إليه تاليا حركة السترات الصفراء الاحتجاجية في فرنسا عام 2018 ؛ فإنه من المحتمل جدا - إن لم يكن من الأرجح - أن يفشل زهران مامداني في تنفيذ برنامجه (الاشتراكي الديمقراطي) كحاكم لنيويورك ؛ بالتناقض مع مصالح الطبقة السائدة سياسيا والمهيمنة اقتصاديا في أميركا ، من أصحاب المليارات ، الذين يمسكون بخيوط لعبة الديمقراطية التمثيلية وفقا لمخرجات صناديق الاقتراع ، ويتحكمون بآليات الوصول إلى السلطة ، ويسيطرون بالتالي على مواقع اتخاذ القرار .
وإذا لم يتمكنوا في أميركا من اغتيال مامداني معنويا ، على غرار اغتيالهم جيرمي كوربن - معنويا - في بريطانيا ، بتهمة معاداة السامية ، أو بأساليب اغتيال معنوي أشد قذارة ؛ فإنهم لن يترددوا في تصفيته ماديا ، على نحو ما ، بما يستدعي إلى الذاكرة ما فعلوه في تشيلي بالرئيس (الاشتراكي الديمقراطي) سلفادور أليندي ، وما فعلوه بالرئيس الثوري الاشتراكي توماس سانكارا في بوركينا فاسو .
وها هو العالم كله يرى الأساطيل الحربية الأميركية تحاصر جمهورية فنزويلا البوليفارية ، تفعيلا لمبدأ مونرو ، بغرض إسقاط الرئيس المنتخب ديمقراطيا نيكولاس مادورو (بصرف النظر عن مدى نزاهة العملية الانتخابية) ، بحجة تهريب المخدرات وتهديد الأمن القومي الأميركي ، ولا يتورع ترامب عن تخصيص جائزة 50 مليون دولار لمن يأتيه برأس مادورو ، ويصرح للإعلام بأن أيام مادورو قد باتت معدودة !
ومع أنه من المحتمل جدا - ما لم يكن من الأرجح - أن يفشل زهران مامداني (رغما عنه) في تنفيذ برنامجه الاشتراكي الديمقراطي لإدارة مدينة نيويورك ، لمصلحة الناخبين من الأغلبية المفقَرة المهمشة ، بالتناقض مع مصالح الطبقة الراسمالية السائدة اقتصاديا وسياسيا ، من مليارديرات اقتصاد السوق الحرة ، مالكي الشركات الأميركية الكبرى العابرة للجنسية ، ومليارديرات راس المال المالي المعولم ؛ ذلك أن الراسمالية تخوض بكل الشراسة معاركها الأخيرة ، بالضد من اتجاه حركة التاريخ ، قبل أن تتراجع وتنهار أمام مد موجات وعي الجماهير المفقرة والمحرومة ، في حراكها النضالي لتغيير الواقع السائد راسماليا .. بأفق تطلّع اشتراكي .
فإنه يكفي دلالة على أن الراسمالية قد استنفذت طاقتها الذاتية المحركة للتجدد ، وتراجعت قدرتها على التكيف مع المتغيرات ، وأخذت بخسارة أدواتها اللازمة للاستمرار ، رغم كل حقن الإنعاش - الحكومي - الكينزية الترقيعية ، المستعارة انتقائيا من الاشتراكية ؛ بما يحمله فوز مامداني من رمزية انتصار وراهنية الخيار الاشتراكي ، في قلب النظام الراسمالي (النيوليبرالي) الأميركي وفي عاصمة الراسمالية العالمية : نيويورك .
فلننتظر ونرَ .