المصور الصحفي الفلسطيني الذي طالما وثق العنف الإسرائيلي, وكاد أن يُقتل بسببه هذه المرة..


جدعون ليفي
2025 / 11 / 8 - 22:07     

جعفر أشتية، مصوّر صحفي بارز في الضفة الغربية، أُصيب مرارا أثناء عمله. لكن لا شيء مما مر به من قبل كان قد هيأه لما اقترفه ضده المستوطنون هذه المرة.
يقول أشتية: "أنا أكثر المصورين نشاطا وأقدمهم في الضفة الغربية، ولم أواجه يوما أخطارا كهذه."
على مدى نحو ثلاثين عاما من العمل كمصور لوكالة الأنباء الفرنسية (AFP) في الضفة الغربية، التقط جعفر أشتية آلاف الصور التي جسّدت الحزن والمعاناة الإنسانية والموت، وكذلك لحظات السلام والأمل والانتصار، بل وحتى السعادة. يقول إنه رأى ملامح الوجوه الأخيرة لأناس كثيرين يلفظون أنفاسهم، ولن ينساهم ما عاش.
يصعب عليه اختيار صورة واحدة تختصر مسيرته الطويلة، لكنه عندما يُلح عليه بالسؤال، يختار صورة التقطها عام 2006 لامرأة مسنة تعانق جذع شجرة زيتون، وقد أصبحت تلك صورة أيقونية.
هذا المصور المخضرم وثق تقريبا كل ما جرى في الضفة الغربية المحتلة والمخنوقة خلال العقود الماضية. قبل نحو شهر، وبينما كان يصور مزارعين فلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون، تعرض لهجوم من عصابة من المستوطنين العنيفين. أحرقوا سيارته أمام عينيه، ولولا فراره للنجاة بنفسه لكان مقتله مؤكدا، كما يقول.
التقيناه الأسبوع الماضي في مقهى ببلدة حوارة قرب نابلس، غير بعيد عن موقع الاعتداء في أراضي قرية بيتا. لم يشترِ سيارة جديدة بعد، ونادرا ما عاد إلى عمله منذ الهجوم. ما زالت عليه آثار الصدمة والعجز، حتى على هذا "الجواد الحربي" الذي خبر الميدان طيلة سنوات.
يقول أشتية إنه ليس "مع أحد أو ضد أحد"، فعمله كان دائما هو التقاط الصور فحسب: "بعض الجنود كانوا يدركون ذلك، وآخرون كانوا ينعتوننا بالإرهابيين."
وُلد قبل 57 عاما في قرية سالم قرب نابلس، وما زال يعيش فيها مع أسرته. شغل في وقت سابق منصب نائب رئيس المجلس المحلي تطوعا. ومنذ بلوغه سن الرشد، لم يُعتقل يوما ولم يواجه مشاكل مع قوات الأمن الإسرائيلية. يؤكد أنه يحافظ على الحياد بوصفه مصورا لوكالة دولية.
لم يدرس التصوير أكاديميا — إذ يحمل شهادة في الاقتصاد من كلية في نابلس — لكنه بدأ العمل عام 1996 حين استأجر كاميرا وصور مشاهد عند قبر يوسف، فنشرت وكالة "فرانس برس" صوره وتعاقدت معه منذ ذلك الحين. وقد اختارت "بي بي سي" لاحقا إحدى صوره كـ"صورة العام".
على مدى سنوات، أُصيب بجروح طفيفة من قنابل الغاز والرصاص المطاطي، وثلاث مرات بعدة جروح بالغة الخطورة لكنها غير قاتلة. فقد نصف سمعه في الأذن اليمنى عندما أصابت رأسه قنبلة غاز أطلقها جندي، ما استدعى مكوثه في المستشفى عشرة أيام. ورغم ارتدائه دائما معدات الصحافة المميزة، من خوذة وسترة واقية، فقد تعرض لإطلاق نار من جنود أكثر من مرة.
يقسم أشتية مسيرته المهنية في الضفة إلى ثلاث مراحل من حيث تعامل السلطات الإسرائيلية مع الصحفيين الفلسطينيين:
المرحلة الأولى تميّزت بعلاقات جيدة نسبيا مع الجيش الإسرائيلي، حيث كان المصورون يحترمون المناطق العسكرية المغلقة، ولم تكن الحوادث ضد الصحفيين كثيرة.
المرحلة الثانية بدأت مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، حيث ازدادت الحواجز والمداهمات، لكن التعليمات كانت واضحة، ولم يكن العنف ضد الصحفيين منهجيا.
المرحلة الثالثة، وهي الأصعب، بدأت قبل نحو عام من هجوم حماس في أكتوبر 2023، حين شن الجيش الإسرائيلي حربه على مخيمات اللاجئين في شمال الضفة، ومنع الصحفيين من التصوير ودفعهم بالقوة بعيدا، حتى صار العمل "غير محتمل ومستحيلاً"، كما يقول.
بعد السابع من أكتوبر، تفاقم الوضع أكثر. يقول: "أصبحت أخاطر بحياتي كلما اقتربت من حاجز. ليس بصفتي مصورا، بل بصفتي فلسطينيا. فهم عنيفون تجاه الجميع، بمن فيهم الصحفيون."
ويضيف أن الجنود باتوا لا يميزون بين المدنيين والصحفيين، وأن الأنظار كلها موجهة إلى غزة، "لكن الضفة أيضا أصبحت في غاية الخطورة على الصحفيين، ونحن نشعر بذلك كل يوم."
ومع دخول الحرب عامها الثاني، حين بدأت "مجازر المستوطنين"، بات الحذر أشد. يقول أشتية: "أحيانا أشعر بأمان أكبر عندما يأتي الجيش، لأن المستوطنين أسوأ منهم." صار يستخدم عدسات مقربة ليصور من مسافات بعيدة، ولا يبقى في المكان الواحد إلا دقائق. "صورتان أو ثلاث، ثم أهرب"، كما يقول.
ويضيف أن زميلًا له سُلبت كاميراته من قبل المستوطنين "ولا يمكن استعادتها"، مضيفا: "نحن جيل أوسلو في الضفة، ولم نر وضعا كهذا من قبل."
ورغم كل ما شهده من قتل ودماء، يسعى دائما وراء المشاهد السعيدة: "لا أريد أن أكون مصور حرب فقط." يتذكر فرحة الناس عند إنشاء السلطة الفلسطينية ودخولها إلى الضفة، كما صور فرحة الأسرى المحررين. لكنه يشعر بالأسى حين يصور مزارعين يجدون أشجار الزيتون وقد قُطعت أو أُحرقت.
يقول: "أحاول تجنب الأخطار الآن، لكنني سأعود إليها، فهي حياتي."
قبل عامين بدأ ابنه زين جعفر العمل مصورا لوكالة "فرانس برس" في منطقة رام الله، وقد تصدرت إحدى صوره الصفحة الأولى في صحيفة هآرتس مؤخرا. أما صورة والده التي نُشرت قبلها بأيام، فكانت لمستوطن ملثم يرشق الفلسطينيين بالحجارة بينما يقف خلفه جنود إسرائيليون دون أن يحركوا ساكنا.
في 10 أكتوبر الماضي، تلقى أشتية بلاغا عن فعالية قطف زيتون مشتركة بين مزارعين فلسطينيين ونشطاء سلام إسرائيليين في قرية بيتا، قيل إنها منسّقة مع الجيش. وصل إلى المكان وكان الهدوء يسود، فيما التزم الحصادون بخط حُدد لهم من قبل الجنود.
ركن سيارته باتجاه القرية تحسبا للطوارئ، وترك مفاتيحها مع بعض المزارعين ليحركوها إن لزم الأمر. ثم اقترب سيرا نحو المشاركين.
فجأة، كما يروي، سمع صياحا قادما من تلال تبعد نحو 800 متر، وسرعان ما اندفع عشرات المستوطنين المقنعين نحو المزارعين، واعتدوا عليهم بالعصي والحجارة. أُحرقت سيارة جيب فلسطينية بيضاء. وبعد قليل، اقترب بعض المهاجمين من المكان الذي كان يقف فيه أشتية وهو يصور المشهد، وهاجموه أيضا. حاول الوصول إلى سيارته، لكنهم رشقوه بالحجارة ومنعوه من الاقتراب.
يقول: "أدركت أنهم سيقتلونني إن اقتربت أكثر، فتركت السيارة ولذت بالفرار. كنت مصابا ومتعبا، فسقطت أرضا وتفاقمت إصابتي."
هرب عبر الوادي حتى التقطته سيارة إسعاف فلسطينية. حاول لاحقا العودة إلى موقع سيارته، لكن حين اقترب رأى النيران تلتهمتها. يقول: "كان ذلك من أسوأ لحظات حياتي: أن ترى ممتلكاتك تُدمر أمامك وأنت عاجز تماما. سيارتك تحترق ولا يمكنك فعل شيء."
أصيب بجروح وعولج في المستشفى، لكن آلام ظهره ما زالت ترافقه. نصحته وكالة الأنباء الفرنسية بأخذ إجازة، ففعل.
بعد نحو أسبوعين ونصف من حادثة بيتا التي أُصيب فيها وفقد سيارته، قُتل ثلاثة فلسطينيين في كهف قرب جنين بزعم أنهم كانوا في طريقهم لتنفيذ هجوم. لم يستطع أشتية البقاء بعيدا، فاستأجر سيارة وذهب لتصوير المكان. يقول: "كنت حذرا. صورت الكهف وعدت إلى البيت. أحاول الآن تجنب الأخطار، لكنني سأعود إليها. فهي حياتي."