دور النقابات في صياغة سياسات التعافي والحوكمة ما بعد الحرب على غزة
سلامه ابو زعيتر
2025 / 11 / 8 - 18:14
إن مرحلة ما بعد العدوان تتجاوز تحديات الإغاثة والإعمار التقليدية، لتمثل لحظة فارقة لإعادة بناء في كل الاتجاهات من الانسان الي الهياكل المادية الي الهياكل المؤسسية والحوكمية للدولة الفلسطينية، وفي هذا السياق أصبح الدور الفعال والمطور للنقابات والاتحادات والمؤسسات الوطنية، المسلحة بالخبرة المهنية والشرعية المجتمعية، ضرورة استراتيجية لضمان سير عملية التعافي وإعادة الاعمار وفق مبادئ العدالة والوضوح والشفافية والاستدامة، وهو ما يدعو للتأكيد على الشراكة الحقيقية بين كل الفاعلين في صُنع السياسات والتشريعات العاجلة من ناحية يجب على الأجسام النقابية أن تتحول من مجرد شريك اجتماعي إلى شريك في صياغة السياسات والبرامج وخطط التعافي، بما يحقق الرؤية المهنية في السياسات العامة وعلى الحكومة والجهات ذات العلاقة اشراك النقابات وتفعيل دورها في اللجان العليا للتعافي وإعادة الإعمار وفي عملية التخطيط الاستراتيجي الوطني.
ان الاحداث والمتغيرات والمستجدات على قطاع غزة من دمار ومقتلة طالت كل مناحي الحياة يستوجب منا تفكير متطور وخطوات فعالة وعملية تواكب عمليات التعافي بتطوير القوانين والتشريعات والحماية الاجتماعية ويجب أن تضطلع النقابات العمالية بدور محوري في مراجعتها ومنها على سبيل المثال قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية، لضمان تضمينها بند "الحماية والتأمين من المخاطر في الازمات الكوارث والحروب، بما يكفل حقوق المتضررين والمفقودين والأسر التي فقدت معيلها، ويحدد آليات التعويضات السريعة والفعالة، كما ويجب أن تمارس النقابات ضغطاً تشريعياً لضمان أن تكون عملية تخصيص الموارد الدولية والمحلية لغزة ملزمة قانوناً بمبادئ الشفافية والحكومة الرشيدة وينسجم مع التشريعات والقوانين الفلسطينية بما يحقق العدالة والحماية للعمال والموظفين، ويضمن مشاركتهم في عملية الاعمار ضمن شروط العمل اللائق والكريم.
إن الواقع الذي أفرزته تداعيات الحرب من تجاوزات وفساد يحتاج الي تدخلات مجتمعية تساهم في تعزيز الحوكمة المؤسسية والنزاهة الإدارية، وتمثل مشاركة المؤسسات الوطنية والنقابات عنصراً ضامناً للنزاهة، وموازنة للقوة في آليات اتخاذ القرار إذ ما كانت هي تقوم على أسس ديمقراطية، وتنظم علمها قوانين وقرارات جماعية، وعمل جماعي وفق منهجيات العمل المؤسسي الرشيد، وهنا يكون دور مؤثر باعتبارها مراقبا الجودة والاداء على مستوى التدخل والإجراءات الإدارية، وهو ما يتطلب تطوير ميثاق إفصاح نقابي موحد يضمن الكشف عن المعلومات المتعلقة بمشاريع التعافي والتمويل والقائمين عليها، والتعاون مع مؤسسات مكافحة الفساد، وذلك بسبب طبيعة البيئة القانونية المعقدة في غزة ونظرا لما هو قائم حاليا، لذا من المفضل والمستحسن أن تساهم النقابات في تطوير آليات إدارة المخاطر الإدارية والقانونية لتبسيط الإجراءات للمواطنين والمستثمرين، وتقديم الأفكار والخطط لحل النزاعات المتعلقة بالملكية والتعويضات، كما ويجب عليها أن تساهم كنقابات متخصص في تقديم الدعم الفني والاستشاري للمؤسسات المحلية المنهكة، لرفع كفاءتها في إدارة الأصول العامة وتخطيط إعادة الانتشار السكاني، بما يتوافق مع المعايير المهنية والإنسانية.
إن مشاركة النقابات في مراحل التعافي وإعادة البناء يضفي على الموقف الفلسطيني مصداقية فنية ومهنية أمام المجتمع الدولي والمانحين وتمكينها يساهم في أن تقود الدعوة لتبني "نموذج التعافي الأخضر والمقاوم للصدمات"، فهي الاقدر للضغط على المانحين لتوجيه التمويل نحو مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية الذكية وتطوير التدخلات بدلاً من الاكتفاء بالاستجابة العاجلة وهو ما يحقق الاستدامة والتعافي بمراكمة الإنجازات وعدم التراجع والانتكاسة، كما وعليها استثمار العلاقات الدولية والعربية مع النقابات الاتحادات النقابية العالمية لجلب الخبرات الفنية وفرق المتطوعين في مجالات إعادة التأهيل الصحي والنفسي والتربوي، وإدخالها في صلب الخطط الوطنية.
أخيراٌ: أن استعادة العقد الاجتماعي وتطوير التدخلات للنقابات كشريك في كل مراحل التعافي وإعادة الاعمار بما يشمل صياغة السياسات والحوكمة والرقابة القانونية كمسؤولية مشتركة ويمثل آلية استراتيجية لعملية التعافي كمملوكة وطنياً، وعادلة مجتمعياً، ومستدامة إدارياً، فإن هذا التمكين المؤسسي هو جوهر استعادة "العقد الاجتماعي" وتحقيق النهوض الشامل في قطاع غزة، لتسير العملية بشكل انسيابي يشارك فيها الكل الفلسطيني والمؤسسات المجتمعية والمدنية، وهو ما نحتاجه اليوم لنحقق ما يتطلع له شعبنا.