الحلقة الأولى من (في مواجهة أزمات الهوية والهيمنة من تفكيك الطائفية والتدخلات الخارجية إلى بناء الدولة القومية المدنية) (1/2)
حسن خليل غريب
2025 / 11 / 8 - 09:31
إعداد حسن خليل غريب بمساعدة الذكاء الاصطناعي
المقدمة
في زمن تتنازع فيه الهويات وتتشظى فيه المشاريع الفكرية، يبرز المشروع الفكري لحسن خليل غريب كمحاولة جريئة لإعادة بناء الذات العربية على أسس عقلانية، وحدوية، ومتحررة من الاستبداد والطائفية والهيمنة الخارجية. لا يكتفي غريب بالتنظير، بل يسعى إلى ربط الفكر بالواقع، من خلال قراءة نقدية للعلاقة بين العروبة والإسلام، وتحليل جذور الأزمات الداخلية، ومواجهة الأصوليات الإمبراطورية، وصولًا إلى دعم المقاومة والحراك الشعبي العربي.
هذا المشروع يتوزع على محطات متكاملة، تبدأ بالتأصيل النظري، وتنتقل إلى النقد الخارجي، ثم إلى بناء الجسور بين التيارات الفكرية، وتنتهي بتجسيد الفكر في الواقع المقاوم والنهضوي.
في هذا السياق، يُعد مشروع حسن خليل غريب دعوة مفتوحة لإعادة التفكير في مستقبل الأمة، بعيدًا عن الانغلاق الإيديولوجي، وبعيدًا عن التبعية السياسية، نحو مشروع قومي عربي مدني، جامع، ومتحرر.
يمثل المشروع الفكري لحسن خليل غريب أحد أبرز المحاولات المعاصرة لإعادة صياغة العلاقة بين العروبة، والدين، والدولة، في سياق عربي مأزوم سياسيًا وثقافيًا. يتوزع هذا المشروع على مجموعة من المؤلفات التي تتكامل فيما بينها لتشكّل رؤية نقدية شاملة، تسعى إلى تفكيك البنى الطائفية والاستبدادية، وتأسيس دولة وطنية مدنية، تكون قاعدة للوحدة القومية العربية. ومن خلال تتبع تسلسل هذه الأفكار في سياقها التاريخي، يمكن فهم تطور هذا المشروع من التأصيل النظري إلى الطرح العملي.
المحطة الأولى: التأسيس النظري للعلاقة بين العروبة والإسلام:
أولاً: الكتاب الأول: في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام
1-في كتابه في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام، يفتتح غريب مشروعه الفكري بتفكيك العلاقة الملتبسة بين الهوية القومية والدينية. ينطلق من فرضية أن العروبة ليست نقيضًا للإسلام، بل هي حاضنته التاريخية، وأن تسييس الدين أضرّ بالوحدة الوطنية. يدعو إلى فصل الدين عن الدولة دون إقصاء الدين من الحياة العامة، ويؤسس بذلك لرؤية حضارية تتجاوز الانقسامات المذهبية والطائفية. وهو دراسة فكرية تحليلية تهدف إلى توضيح العلاقة التاريخية والفكرية بين القومية العربية والدين الإسلامي، مع الدعوة إلى التفاعل الإيجابي بينهما بعيدًا عن التنازع أو الإقصاء.
2-نظرة موجزة على محتوى الكتاب: فكرة الكتاب الأساسية: يسعى المؤلف إلى بناء فهم متوازن بين العروبة كهوية قومية والإسلام كدين عالمي، مؤكدًا أن التناقض بينهما ليس جوهريًا بل ناتج عن سوء الفهم أو التوظيف السياسي. ويركز فيه على أهمية التفاعل الحضاري بين الفكر القومي العربي والمبادئ الإسلامية، دون أن يطغى أحدهما على الآخر.
3-محتويات الكتاب: يقع الكتاب في حوالي 474 صفحة، وصدر عن دار الطليعة في بيروت عام 1999. يتضمن قسمين رئيسيين:
أ-القسم الأول: التاريخ السياسي والاجتماعي: مرحلة الصفاء العربي: من الجاهلية حتى العصر الأموي. والعصر العباسي: بداية التحول من الدولة القومية إلى الدولة الأممية. والعصران المملوكي والعثماني: انهيار التجربة السياسية الإسلامية.
بـ-القسم الثاني: الفكر القومي العربي: مرحلة التأسيس العقائدي والسياسي للفكر القومي. وموقف من الحضارة الغربية: التمييز بين التفاعل والرفض. ودعوة إلى علاقة سليمة بين العروبة والإسلام تقوم على التكامل لا التنافر.
4-أهمية الكتاب: يخاطب المثقفين والباحثين في الفكر القومي والديني، ويقدم رؤية نقدية تاريخية وفكرية. ويُعد مرجعًا في الثقافة الإسلامية والدعوة، ويستند إلى تحليل سياسي واجتماعي عميق.
ثانياً: الكتاب الثاني: (الردة في الإسلام)، ينتقل فيه إلى نقد البنية الفقهية التي استخدمت مفهوم الردة كأداة لقمع الفكر الحر، ويعيد قراءة النصوص الدينية من منظور عقلاني، كاشفًا كيف تم توظيفها سياسيًا لتبرير الاستبداد.
1-الردة في الإسلام، قراءة عقلانية في مواجهة التسلط الديني: في كتابه الردة في الإسلام، يقدّم غريب قراءة نقدية معمّقة لمفهوم الردة، متجاوزًا التفسيرات الفقهية التقليدية التي حوّلت هذا المفهوم إلى أداة قمع فكري وسياسي. ينطلق غريب من سؤال جوهري: هل الردة في الإسلام عقوبة دينية أم توظيف سياسي؟ ومن خلال هذا السؤال، يفتح بابًا واسعًا لإعادة التفكير في العلاقة بين الدين والحرية، وبين النص والتأويل.
2--جوهر الكتاب: يرى غريب أن الردة، كما تم تفسيرها تاريخيًا، لم تكن مسألة عقائدية بحتة، بل كانت مرتبطة بصراعات السلطة وتثبيت الهيمنة. ويؤكد أن الإسلام، في جوهره، لا يتناقض مع حرية الفكر، بل يدعو إلى الحوار والاجتهاد. لكن السلطة السياسية والدينية عبر التاريخ، وظّفت مفهوم الردة لقمع المعارضين، وتكريس الطاعة المطلقة.
3-أطروحة الكتاب: الردة ليست خروجًا عن الدين، بل تعبير عن حرية الضمير. ولا يجوز أن تُستخدم النصوص الدينية لتبرير القتل أو الإقصاء. لذلك الفكر الإسلامي بحاجة إلى مراجعة عقلانية تُعيد الاعتبار للإنسان كمحور للتشريع، لا كأداة للسلطة.
4-لماذا يُعد هذا الكتاب مهمًا اليوم؟: في زمن تتجدد فيه الصراعات حول حرية التعبير، وتجتاح المجتمعات العربية موجات من التكفير والتخوين، يأتي هذا الكتاب ليُعيد فتح النقاش حول قدسية الفكر، وحق الإنسان في الاختلاف. إنه دعوة صريحة لتحرير الدين من قبضة السياسة، وتحرير العقل من سطوة الفقه المغلق. إن كتاب الردة في الإسلام ليس مجرد كتاب في الفقه، بل هو بيان فكري في الدفاع عن الحرية، وصرخة ضد التسلط باسم الدين.
-المحطة الثانية: انتقال من نقد المؤثرات الداخلية إلى نقد المؤثرات الخارجية:
يُعد حسن خليل غريب من الأصوات البارزة التي دعت إلى إعادة بناء العلاقة بين العروبة والإسلام، عبر مشروع فكري نقدي يسعى إلى التحرر من الأيديولوجيات المغلقة، والانفتاح على حوار حضاري عقلاني. في هذا السياق، يأتي كتابه "تهافت الأصوليات الإمبراطورية" كحلقة متقدمة في مشروعه، حيث ينتقل من نقد الذات إلى نقد الآخر المهيمن، ويؤسس لفكر قومي عربي مستقل ومتحرر.
1-موقع الكتاب ضمن المشروع الفكري: يشكل هذا الكتاب امتدادًا طبيعيًا لثلاثية فكرية بدأها غريب بـ:"في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام"، والردة في الإسلام حيث ركّز على الداخل العربي الإسلامي. ثم جاء "تهافت الأصوليات الإمبراطورية" ليُوسع دائرة النقد نحو الهيمنة العالمية، رابطًا بين التحرر الداخلي والتحرر من الخارج.
2-مضمون الكتاب: يتناول الكتاب نقدًا عميقًا للأصوليات التي تتخذ طابعًا إمبراطوريًا توسعيًا، سواء كانت دينية: كالأصوليات المسيحية أو الإسلامية المتشددة التي تسعى إلى فرض نموذجها على العالم. ووضعية: كالأيديولوجيات الليبرالية الغربية أو الشيوعية السوفياتية التي تدّعي العالمية وتُمارس الهيمنة الثقافية والسياسية. يرى غريب أن هذه الأصوليات، رغم اختلاف مرجعياتها، تتشابه في النزعة الإمبراطورية، وفي رفض الآخر، وفي توظيف الفكر لخدمة السلطة.
3-العلاقة بين التحرر الداخلي والخارجي: يربط غريب بين نقد الأصوليات الإمبراطورية وبين ضرورة بناء مشروع قومي عربي، مستقل عن التبعية الفكرية للغرب أو الشرق. ومتحرر من الأصوليات الدينية المتشددة. وقائم على العقلانية والانفتاح والحوار.
4-بهذا المعنى، يُعد الكتاب دعوة إلى تحرير الذات العربية من الداخل والخارج، عبر مشروع فكري متكامل. وهو لا يُقرأ بمعزل عن باقي أعمال غريب، بل يُعد ذروة نقدية في مشروعه الفكري، حيث ينتقل من تفكيك العلاقة بين العروبة والإسلام إلى تفكيك العلاقة بين العرب والعالم، ساعيًا إلى بناء نهضة عربية عقلانية، مستقلة، ومتحررة من كل أشكال الهيمنة.
المحطة الثالثة: تتويج مشروع غريب بكتاب (القومية العربية من التكوين إلى الثورة):
يقع كتاب "القومية العربية من التكوين إلى الثورة" في قلب المشروع الفكري لحسن خليل غريب، بوصفه دراسة تأسيسية وتحليلية لمسار الفكر القومي العربي، من جذوره التاريخية إلى طموحاته الثورية، وهو يُعد بمثابة الإطار النظري الذي يشرح الخلفية الفلسفية والسياسية لبقية أعماله.
1-موقع الكتاب ضمن مشروع حسن خليل غريب الفكري: الكتاب يمثل حجر الأساس في فهم رؤية غريب للقومية العربية، حيث يتناول نشأتها، تطورها، وتحولاتها الفكرية والسياسية.
2-مضمون الكتاب: صدر عن دار الطليعة في بيروت عام 2018، ويقع في 224 صفحة، ويتضمن ستة فصول. يتناول الكتاب تاريخ القومية العربية من منظور فلسفي واجتماعي، مستندًا إلى أبحاث المؤرخين الموثوقين. ويدعو إلى قراءة الحضارات في سياقها التاريخي، دون إسقاطات أيديولوجية أو أحكام مسبقة، ويُبرز كيف أن التجارب القومية، حتى في ظل أنظمة غير ديمقراطية أو دينية، قدّمت خدمات حضارية يمكن الاستفادة منها في بناء الدولة الحديثة.
3-خلاصة: الكتاب يُعد الركيزة الفكرية الأولى في مشروع حسن خليل غريب، حيث يضع الأسس الفلسفية والتاريخية لفهم القومية العربية، ويهيئ القارئ للانخراط في بقية أطروحاته التي تتناول التفاعل بين العروبة والإسلام، ونقد الأيديولوجيات المهيمنة. إنه بمثابة المنصة الفكرية التي ينطلق منها مشروعه النهضوي العربي.