في ندوة معهد العمال الدولي حول: “السمات الأساسية للطبقة العاملة في عصرنا”
جهاد عقل
2025 / 11 / 8 - 09:28
- القى الأمين العام للاتحاد العالمي للنقابات بامبيس كيريتسيس خطاباً له في افتتاح ندوة معهد العمال الدولي في أثينا التي عقدت الندوة أيام 7-8 تشري ثاني / نوفمبر 2025، ولأهمية ما جاء في هذا الخطاب وتحليله لدور الطبقة العاملة وسماتها في هذه المرحلة المعاصرة رأيت من اّلأهمية بمكان أن أنقل لكم نص الكلمة ، وما شملته من تحليل للوضع النقابي والدور النضالي للحركة النقابية الطبقية ضد الإستغلال الراسمالي الجشع وارتباطه بممارسات الإمبريالية في محاولاتها ضرب حرية الشعوب وتقويض الحقوق العمالية ، وأن لا طريق لدحر همجية هذا النظام سوى طريق الوحدة النقابية والنضال النقابي وعليه فيما يلي نص الخطاب كاملاً:
"الأصدقاء الأعزاء، الزملاء، والرفاق،
أود في البداية أن أهنئ معهد العمال الدولي على هذه المبادرة الهامة، التي تضاف إلى سلسلة من الأنشطة السابقة التي أبرزت دور المعهد وإسهامه. فهذا الإسهام لا يقتصر على تنفيذ حلقات التكوين النقابي والتثقيف العمالي، بل يتجاوز ذلك إلى تناول قضايا البحث والتحليل النظري، كما هو الحال في ندوة اليوم.
إن موضوع ندوتنا هذه، حول "سمات الطبقة العاملة في عصرنا"، ليس مسألة نظرية مجردة أو أكاديمية، بل له أثر مباشر على الممارسة اليومية والاستراتيجيات النضالية للحركة النقابية والحركة العمالية بشكل عام.
كما تعلمون، قبل أسابيع قليلة فقط، في الثالث من أكتوبر في باريس، احتفلنا بمرور 80 عاماً على تأسيس الاتحاد العالمي للنقابات. ثمانون عامًا من النضال، والعمل، والمساهمة في إنجاز العديد من الحقوق والمكاسب التاريخية للطبقة العاملة. خلال هذا المسار، توحّد تحت رايتنا ملايين العمال من كل أصقاع الأرض في نضال صعب ولكنه جميل من أجل عالم أفضل.
ومن المجالات التي يفخر بها الاتحاد العالمي للنقابات إسهامه الكبير في مجال التثقيف الأيديولوجي والسياسي والتأهيل النقابي، وهو موضوع يبقى من أولوياتنا حتى اليوم. ولذلك، من المهم مواصلة دعم المعهد وتعزيز هذه الأنشطة. ونحن، في الاتحاد، سنواصل بل سنعمّق هذا التعاون، من أجل تقوية قدرات النقابيين القدامى والجدد، وجعل نضالاتنا وتدخلاتنا أكثر فعالية.
تنعقد هذه الندوة في لحظة يعيش فيها العمال حول العالم تعمق الأزمة الرأسمالية، مقرونة بهجوم جديد على حقوقهم ومكتسباتهم، وباتساع الفجوات الاجتماعية، وتفاقم تدمير البيئة والاستنزاف الخطير لموارد الطبيعة.
إن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، والهجمات الإجرامية في الضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن وإيران، بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم، كشفت مرة أخرى النفاق والقسوة والطبيعة اللاإنسانية للإمبريالية.
إن التنافسات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية تهدد السلام والأمن الدوليين، وصولاً إلى خطر حرب نووية. الحروب الإمبريالية، التدخلات، العقوبات والحصارات تتصاعد، فيما تُعلن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو عن زيادات هائلة في الإنفاق العسكري، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا للسلم العالمي ويعني في الوقت نفسه سياسات تقشف اجتماعي أشد قسوة.
إن تعمّق الأزمة الرأسمالية يجعل الهجوم على الحقوق العمالية والحريات النقابية والديمقراطية أكثر شراسة. العمل المؤقت وغير المستقر ينتشر، مما يقوّض العمل اللائق المنظم باتفاقيات جماعية. وتستمر التضحيات البشرية في مواقع العمل حيث تعتبر سلامة العمال وصحتهم «تكاليف غير مرغوبة» بالنسبة لأصحاب العمل.
ورغم هذا المشهد القاتم، فإن الجانب المشرق والمشجّع هو أن العمال لا يقفون متفرجين. فبقيادة نقابات طبقية المنهج، يختار ملايين العمال طريق النضال للدفاع عن حقوقهم، ويقودون تعبئات نضالية في مختلف أنحاء العالم من أجل عمل بكرامة يلبي احتياجاتهم المعاصرة. ومع تصاعد النضالات يشتد القمع، وتتكثف الملاحقات والاعتداء على حق الإضراب والحريات النقابية.
وفي كثير من الحالات، تقف هذه النضالات في مواجهة ليس فقط أرباب العمل والدولة، بل أيضاً نقابات شراكة طبقية أصبحت جزءًا من النظام، وهي طريق يؤدي إلى البيروقراطية والفساد، كما أظهرته فضيحة اعتقال الأمين العام السابق للاتحاد الدولي للنقابات.
الرفيقات والرفاق،
إن ما نناقشه هنا ليس موضوعًا نظريًا فقط، بل له نتائج عملية تمس محتوى وأشكال نشاط الحركة النقابية في الظروف الحالية للرأسمالية. هناك من يزعم أن النظر إلى المجتمع بمنظور طبقي "أمر قديم"، وأن الطبقات "لم تعد قائمة" كما رآها مؤسسو الفكر الاشتراكي. صحيح أن العمال تغيروا وتطوروا علميًا وتقنيًا، لكن الأساس لم يتغير:
لا يزال المجتمع ينقسم إلى طبقتين رئيسيتين:
• طبقة تملك وسائل الإنتاج (الرأسماليون)
• وطبقة لا تملك إلا قوة عملها (الطبقة العاملة)
الطبقة العاملة اليوم ليست فقط من يعمل في المصانع الثقيلة. إنها كل من يعمل بأجر لتغطية احتياجاته الأساسية، سواء في الصناعة أو الخدمات، في مواقع العمل أو في المكاتب، في العمل اليدوي أو الذهني. وهي الطبقة التي تنتج الثروة، لكنها لا تمتلكها.
إن واجبنا هو تحليل التحولات الاجتماعية، من أجل تطوير أساليب نضال توحّد العمال بدلاً من تقسيمهم، وفضح محاولات تعميم الوهم بأن المجتمع "بلا طبقات”. يحاول أعداء الطبقة العاملة تقسيمنا: عامل ضد عاطل، مهاجر ضد محلي، متقاعد ضد عامل، قطاع عام ضد خاص. هدفهم واضح: إخفاء التناقض الرئيسي بين العمل من جهة، والرأسمال من جهة أخرى.
نحن نناضل من أجل وحدة العمال، من أجل طريق يقود إلى إلغاء الاستغلال والظلم. فإمكانات الحياة الكريمة متوفرة اليوم بفضل التقدم العلمي والتقني. المعركة هي من أجل أن تُستخدم هذه الموارد لصالح الذين ينتجون الثروة، وليس لزيادة أرباح حفنة من الرأسماليين.
سلاح الطبقة العاملة هو التضامن والأممية. والاتحاد العالمي للنقابات يواصل مسيرته الثمانينية على نفس الرؤية: عالم بلا حروب ولا تدخلات إمبريالية، بلا استغلال ولا تمييز، حيث يكون العمل دائمًا وآمنًا ومنظمًا
أشكر المعهد مرة أخرى على هذه المبادرة الهامة، وأنا واثق أن ما سينتج عن هذه الندوة سيكون أداة جديدة تفيدنا جميعًا في تعزيز نضالاتنا اليومية نحو تلبية مطالب العمال المعاصرة.