الفقراء والمهمشون في إسرائيل يستحقون -مامداني- خاصاً بهم
جدعون ليفي
2025 / 11 / 7 - 02:26
لم نشهد هنا شيئاً مماثلاً من قبل، ولن نشهده أبداً. مرشح يخرج من العدم، ليس جنرالاً متقاعداً ولا نجماً تلفزيونياً لامعاً، ولا وريثاً مدللاً من أبناء النخبة، ولا حتى سياسياً محنكاً. شاب ذو خلفية أجنبية، مهاجر، لم يكن معروفاً حتى قبل لحظة؛ آراؤه ثابتة وجذرية، لا يخاف من قول ما يفكر به، ولا يتردد في التفكير بما يقوله.
لا يهتم باستطلاعات الرأي، ولا يصغي إلى النصائح التي تحثه على تلطيف مواقفه. يهاجم النظام القائم بصدقه الخاص – وينتصر. يهزم المؤسسة، يهزم المرشح الآخر، وريث السلالة السياسية.
لم يكن لدينا هنا شيء كهذا قط؛ ولن يكون لدينا "زهران مامداني". إذا واصلت السياسة الإسرائيلية الدوران في حلقة مفرغة – ليس فقط لأن بنيامين نتنياهو لا يرحل، بل لأن خصومه الذين هُزموا مراراً يرفضون أيضاً مغادرة حياتنا – فلن يكون لدينا "مامداني" أبداً. يا لليأس.
لفهم عمق التحول الذي يجسده "مامداني"، الذي انتخب عمدة لأهم مدينة في العالم، تخيلوا مرشحاً عربياً أو إريترياً يهاجر إلى إسرائيل ثم يفوز في انتخابات هنا. تخيلوا أن يُنتخب النائب السابق دوف حنين رئيساً للحكومة. أو أن يتحول فنان "هيب هوب" مثل "مستر كارداموم" – أحد الأسماء الفنية لمامداني – إلى زعيم سياسي بين ليلة وضحاها. ربما مثل مغني الراب تامر نفار؟
في غضون بضعة أشهر فقط، أشعل مامداني حماس المدينة وأسر قلوب شبابها، حتى أولئك الذين لم يهتموا يوماً بالسياسة. انتُخب في المدينة التي تضم أكبر جالية يهودية في العالم، رغم أن خصومه حاولوا شيطنته واتهامه بمعاداة السامية. وفاز في واحدة من أكثر مدن العالم رأسمالية، على أساس برنامج اشتراكي واضح لا تردد فيه.
لقد أثبتت أميركا مجدداً أنها أرض الفرص اللامحدودة. وربما يجعلها مامداني عظيمة بحق، أكثر بكثير مما فعل دونالد ترامب.
من الممكن أيضاً أن يفشل فشلاً ذريعاً. فالمؤسسة القديمة ستفعل كل ما بوسعها لتصفيته، كما فعلت بريطانيا مع جيريمي كوربن من حزب العمال، ذلك الأمل الكبير بالتغيير الذي أُطيح به. ومن الممكن أن تتبين استحالة تنفيذ وعود مامداني، رغم سحرها الكبير المتمثل في إقامة العدالة والمساواة في مدينته وما بعدها.
ومن المحتمل أنه ليس موهوباً في القيادة والتنفيذ بقدر ما هو بارع في الوعد والتعبئة. لكن مجرد انتخابه مثّل تغييراً هائلاً، وأحيا الأمل بشيء مختلف، وجلب روحاً جديدة منعشة لم تعرفها إسرائيل منذ زمن طويل. يا لحسدنا لأهل نيويورك.
العام المقبل ستُجرى "الانتخابات الأكثر مصيرية"، لكن لا يوجد شخص واحد يثير الحماس، ولا شخصية يأمل المرء أن تفوز، ولا أحد يستحق أن يُبذل الجهد من أجله. لا أحد يمكن تصديقه، ولا من يقدم بداية جديدة أو ثورة حقيقية. فقط المزيد من التكرار ذاته: المجد للجيش الإسرائيلي، "ليس الآن وقت الدولة الفلسطينية"، وقبل كل شيء – استمرار التفوق اليهودي إلى الأبد.
كل ذلك في بلد يتوق إلى انطلاقة جديدة، ربما أكثر من أي بلد آخر في العالم، والآن أكثر من أي وقت في تاريخه. هنا، كل شيء يتكرر: الزعيم الأوحد، مدعو العرش المرهقون، الشعارات الفارغة، الفساد، الفراغ، واليأس.
إسرائيل بحاجة إلى "مامداني" الآن كما يحتاج المختنق إلى جهاز تنفس. عندما لا يجرؤ أحد على طرح بديل مختلف، أو طريق لم يُسلك بعد، أو رؤية غير مستكشفة، بينما البلد والمجتمع غارقان في الوحل – نحن بحاجة إلى "مامداني".
ربما لهذا بدأت ماكينات التحريض وبث الخوف في إسرائيل بالعمل ضده؛ فكل المعلقين تقريباً في استوديوهات التلفزيون خرجوا لمهاجمته. كيف لا، وقد قال إن إسرائيل قتلت أطفالاً في غزة، وتحدث عن "إبادة جماعية"! إذن فلا بد أنه معادٍ للسامية. وهو أيضاً ضد رهاب الإسلام، أي لا بد أنه "إسلامي متطرف"، بل "داعش نيويورك"!
ليته ينجح في تنفيذ ولو جزء من وعوده العظيمة. ليته يتمكن من كسر الحملة العالمية ضد التقدم. ليته فقط يرعى المهمشين في نيويورك. فالمهمشون في إسرائيل يستحقون "مامداني" هم أيضاً.