زهران ممداني: انتصار اشتراكي في نيويورك
حازم كويي
2025 / 11 / 6 - 02:24
ستيفان ليبيش*
ترجمة: حازم كويي
إعتباراً من شهر ينايرالعام القادم 2026، ستُدار أكبر مدينة في الولايات المتحدة من قِبل عمدةٍ هو عضو في منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA).
قبل بدء عملية التصويت، كان واضحاً أن هذه الانتخابات ستثير اهتماماً واسعاً بين الناخبين. فقد أدلى 735 ألف ناخب مؤهل بأصواتهم بالفعل قبل يوم الاقتراع ـ وهو رقم قياسي. وعندما أُغلقت مراكز الاقتراع مساء الثلاثاء، كان أكثر من مليوني شخص في أحياء بروكلين، ومانهاتن، وستاتن آيلاند، وبرونكس، وكوينز قد أدلوا بأصواتهم ـ وهو أعلى عدد مسجّل في أي انتخابات بلدية في نيويورك خلال العقود الأخيرة.
أما زهـران ممداني، النائب البالغ من العمر 34 عاماً في برلمان ولاية نيويورك، والمولود في أوغندا وذو الأصول المسلمة، فقد فاز بشكل واضح بحصوله على أكثر من 50٪ من الأصوات. أما أقوى منافسيه، أندرو كومو ـ الحاكم السابق لولاية نيويورك ـ فلم يحصل إلا على نحو 42٪، في حين جاء مرشح الحزب الجمهوري، كيرتس سيلوا، في المرتبة الثالثة بنسبة 7٪ فقط، بعد أن تخلى حتى دونالد ترامب عن دعمه له ودعا بدلاً من ذلك إلى التصويت لصالح كومو.
إن فوز اشتراكي في أكبر مدينة في الولايات المتحدة ـ تلك الدولة التي تهيمن عليها حركة "اجعل أمريكا عظيمة مجدداً" (MAGA) التابعة للرئيس ـ يُعد خبراً ساراً، احتفى به اليساريون بحماس خلال حفل النصر في حي أستوريا، وهي الدائرة الانتخابية التي يمثلها ممداني حالياً في برلمان ولاية نيويورك.
هتف الحاضرون قائلين: «هي ليست لحظة، بل حركة»، متعهدين بمواصلة دعمه خلال فترة توليه المنصب.
التركيز على تكاليف المعيشة
إن فوز ممداني له أسباب ملموسة. فقد ركّزت حملته على خفض تكاليف المعيشة من خلال سياسات مثل تحديد سقف للإيجارات، وتوفير حافلات مجانية، ورعاية أطفال بلا رسوم، وإنشاء متاجر بلدية بأسعار معقولة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات ـ وهي مطالب لامست هموم الغالبية.
كما لقي وعده بـ جعل المدينة "محمية من ترامب" ترحيباً كبيراً بين المهاجرين وأفراد مجتمع الميم. أما موقفه المناهض لحرب الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة فقد حظي بدعم واسع، حتى بين كثير من اليهود.
وكان دعم النشطاء في منظمة "الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا" (DSA) حاسماً في تحقيق هذا الفوز، إذ طرق آلاف المتطوعين 1.6 مليون باب للترويج لمرشحهم.
ولا تقتصر أهمية نتيجة هذه الانتخابات على مدينة نيويورك وحدها، بل تمتد إلى ما وراءها. فقد وقف خلف ممداني عدد كبير من الداعمين البارزين، من بينهم السيناتور بيرني ساندرز ـ الذي بدأ مسيرته السياسية أيضاً كعمدة ـ والسيناتورة إليزابيث وارن، وألكسندريا أوكاسيو- كورتيز، أشهر نائبة تقدمية في البلاد، إضافة إلى عدد من الفنانين البارزين والنقابات والمنظمات اليسارية.
الصراع على توجه الحزب الديمقراطي
لكن الصورة لم تكن واحدة داخل الحزب الديمقراطي. فقد كان لموقف عدد من القادة البارزين في الحزب رأي مغاير، مثل تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، وحكيم جيفريز، زعيم الأقلية في مجلس النواب ـ على الرغم من أن كليهما ينحدر من نيويورك.
تردّد جيفريز طويلاً قبل أن يعلن ـ على استحياء ـ دعمه لممداني، بينما لم يتمكن شومر حتى النهاية من التعبير عن أي دعم له.
ورغم أن قلة من الديمقراطيين أعلنوا دعمهم العلني لـ أندرو كومو، إلا أن كثيرين منهم كانوا يأملون سرّاً أن يتمكّن الحاكم السابق، الذي خسر في الانتخابات التمهيدية وخاض السباق لاحقاً كمرشح مستقل، من هزيمة ممداني في النهاية.
إن الجدل حول ممداني ومسألة دعمه يكشف عمق الصراع داخل الحزب الديمقراطي بشأن الاتجاه السياسي الذي ينبغي أن يسلكه في الانتخابات النصفية المقبلة للكونغرس بعد عام.
فجزء من المؤسسة الحزبية التقليدية يراهن على أن إدارة ترامب سترتكب من القرارات غير الشعبية ما يكفي ليحقق الديمقراطيون الفوز "تلقائياً"، لذلك يواصل هذا الجناح الرهان على المرشحين المعتدلين.
أما الجناح اليساري في الحزب، فيسعى بالمقابل إلى قطيعة واضحة مع السياسات النيوليبرالية التي سادت في الماضي. وتظهر دراسة جديدة صادرة بدعم من مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ في نيويورك أن كلًّاً من مفهوم "الاشتراكية الديمقراطية" والمرشحين الذين يعرّفون أنفسهم كاشتراكيين يحظون بتأييد واسع داخل قاعدة الناخبين الديمقراطيين.
إن فوز ممداني يزيد الآن من الضغط على المؤسسة الحزبية التقليدية بصورة كبيرة.
لكن ممداني نفسه يواجه تحديات ضخمة. فقد أعلن الرئيس ترامب بالفعل أنه يعتزم تقليص التمويل الفيدرالي المخصص للمدينة. كما يخشى كثير من سكان نيويورك أن ترسل الإدارة قريباً قوات فدرالية إلى المدينة. ومع ذلك، يبدو أن العديد من الناس يتعاملون مع التهديد بثقة، كما قالت شابة من حي أستوريا:
« نحن نيويوركيون. هذا الرجل لا يخيفنا!»
ولتنفيذ برنامجه الإصلاحي الطموح، يحتاج ممداني إلى دعم حاكمة الولاية، كاثي هوكول. ورغم أنها دعت إلى انتخابه، فإنها رفضت مطلبه بزيادة الضرائب على الأثرياء.
كما سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستتعامل منظمة "الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا" (DSA) مع «عمدتها» الجديد عندما يبدأ حكمه من قاعة البلدية في مانهاتن.
لكن في ليلة الأمس، كانت نيويورك تحتفل ـ فقد كان الوقت وقتَ فرحٍ وانتصارٍ لليسار.
ستيفان ليبيش* يدير مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ في نيويورك.