لا تجعلوا من كبيرة محامي الجيش الإسرائيلي المقصية من منصبها شهيدة.. هل كان الأمر يستحق، يا لواء تومر–يروشالمي، أن تخدمي بهذه المهانة جيشاً إجرامياً، ليكون مصيرك في النهاية على هذا الشكل البائس؟
جدعون ليفي
2025 / 11 / 3 - 08:24
عندما يُصبح الليل نهاراً، يمكن لمدعية عسكرية عامة أن تُصوّر كشهيدة، امرأة "ناضلت من أجل سيادة القانون وحقوق الإنسان"، حتى أُحرقت على "مذبح الشر اليميني". عندما يُصبح الليل نهاراً، لا تُقَال المدعية العامة إلا حين لا تُقصر في أداء واجبها، وتتجرأ –للمرة الأولى والأخيرة في مسيرتها– على اتخاذ خطوة جريئة.
لكن الوحش النهم لا يُشبع أبداً. يمكنكِ، يا لواء ييفعات تومر–يروشالمي، أن تُدافعي عن الإبادة الجماعية، وأن تُغطي كل الجرائم، وأن تُخفي التحقيقات وتُبيّضي أفعال الجنود الإسرائيليين، وبذلك تُرضين قادتكِ. غير أنه عند أول زلة، سيحاسبكِ الوحش نفسه.
هل كان الأمر يستحق، يا لواء تومر–يروشالمي، أن تخدمي بهذه التبعية العمياء جيشاً مجرماً، لتكون نهايتكِ بهذا البؤس؟ ألم يكن من الأجدر أن تؤدي واجبكِ بجرأةٍ ونزاهةٍ، وأن تتحدثي بصراحة، لتُقالِي على الأقلّ بشيءٍ من الكرامة؟ وكما يقول المثل اليهودي القديم: لقد أكلتِ السمك الفاسد وطُردتِ من المدينة. فهل كان ذلك ما تستحقين؟
لسنوات كنتِ تحكمين في المحاكم العسكرية التي لا تمتّ بصلةٍ لما تعلمتِه في الجامعة. كنتِ مدّعيةً وقاضيةً في الوقت نفسه، تحكمين على آلاف الفلسطينيين بالسجن من دون محاكمة حقيقية. ومنعتِ أي تحقيق في آلاف الجرائم التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كلّ حالة قتلٍ لطفلٍ بلا سبب، وكلّ جندي معتدٍ، اتخذت غطاءا قانونيا منكِ ومن المنظومة التي ترأسينها. في هذه المنظومة، لا يوجد جنودٌ مجرمون – حتى بعد فظائع غزة.
لقد أسهمتِ في أفظع عرض مسرحي يُدعى "العدالة العسكرية"، حيث يكفي أن يكون المرء فلسطينياً ليُدان. محكمة فصل عنصري لا يملك فيها المتهمون حقوقاً ولا يُبرَّأ أحد، وكلّها مجرّد مسرحية رخيصة في نظام عدالةٍ- زائف. وهكذا صعدتِ في الرتب حتى أصبحتِ المدّعية العسكرية العامة، فقط من أجل تبييض جرائم الجيش الذي تخدمينه.
لا توجد مؤسسة قضائية محترمة في العالم كان يمكنها تبيّض جرائم "جيش الدفاع الإسرائيلي" في غزة والضفة الغربية. لكنكِ فعلتِ ذلك بفرح. كنتِ "محامية الإبادة الجماعية"، وسيأتي اليوم الذي تُحاسَبين فيه على ذلك. أمّا الآن، فقد ردّ لكِ النظام الصاع صاعا: جرى اقالتك لأكثر الأسباب خطأً.
يصعب معرفة ما الذي جعل تومر–يروشالمي تنحرف فجأةً عن دورها المرسوم وتُصاب بالصدمة من فيديو يظهر فيه حراس سجن عسكريون – وليس "جنوداً مقاتلين" كما يُحب الإعلام أن يُسميهم – وهم يعذبون أسيراً فلسطينياً أعزل بوحشية. ووفقاً للائحة الاتهام، فإن هؤلاء الحراس الخمسة –وهم حثالة البشر– طعنوا ضحيتهم في المستقيم حتى تمزق، وكسّروا أضلاعه وثقبوا إحدى رئتيه.
كان من المهم أن يرى الإسرائيليون ما يفعله جنودهم، خصوصاً في أجواء "كلّ شيء مباح للجيش" التي تسود منذ 7 أكتوبر. وفجأة، ساهمتِ –ولو للحظة– في كشف الحقيقة. أدركتِ أنّ فرصة إدانة المتهمين في ظل المزاج العام الراهن شبه معدومة، ولهذا سرّبتِ الفيديو – وهي الفعلة الوحيدة التي تستحقين عليها ميدالية.
لكن هذا الحدث ليس استثنائياً في السجون العسكرية، بل هو روتين. ألم تسمعي عن الثمانين معتقلاً الذين قضوا في السجن، بعضهم على يد جنود الجيش؟ ماذا فعلتِ بشأن تلك الوفيات؟ وماذا فعلتِ بشأن الجندي الذي قتل طفلاً في التاسعة من عمره قبل أسبوعين في قرية الريحية بالضفة الغربية؟ قال المتحدث باسم الجيش إنّ "القضية أُحيلت إلى النيابة العسكرية للمراجعة". سينتهي التحقيق بعد سنوات، وماذا سيحدث للجندي؟ كونه لا يزال حراً هو الجواب.
وعندما يُصبح الليل نهاراً، يتحول الخمسة المتهمون بتعذيب المعتقل في سجن "سدي تيمان" إلى ضحايا. عفوهم آت في الطريق، والجانية التي "غرست السكين في مستقيمهم" هي المدعية العسكرية العامة نفسها. وزير الدفاع إسرائيل كاتس يلهث شوقاً للانتقام، كم يحب إقالة ضباط كبار، وكم يُسكره شعور القوة!
وها هم جميعاً، بمن فيهم المعلق "المعتدل" نداف إيال، يُصدرون حكمهم: "تسريب فاضح". هذه هي الجريمة، وهذه هي الجانية.
لكن لا تجعلوها شهيدة.