الهجوم الوحشي للمستوطنين وُثق بالفيديو. لكن لما بعد أسبوعين، لم يُعتقل أحد


جدعون ليفي
2025 / 11 / 2 - 07:32     

لا يترك الفيديو مجالاً للشك: عشرات المستوطنين هاجموا فلسطينيين كانوا يجنون الزيتون، حطموا سياراتهم، وانهالوا بالضرب على امرأة تبلغ من العمر 53 عاماً مستخدمين عصا حديدية. نُقلت المرأة إلى المستشفى مصابة بنزيف دماغي. قائد شرطة الضفة الغربية وعد باعتقال المعتدي، لكن حتى الآن لم يحدث شيء.
كان المعتدي ملثماً، يحمل عصا ذات رأس معدني، ويرتدي شال الصلاة اليهودي ذي الأهداب (تسيتسيت) دون قميص. اندفع نحو المرأة، وجّه إليها ضربة قوية على الرأس فسقطت فاقدة الوعي. ثم هاجم متطوعاً أجنبياً جاء لحماية المرأة وعائلتها، واستمر في عربدته العنيفة يضرب كل من يصادفه. أما هي، فقد واصل رفاقه المستوطنون ضربها وهي ملقاة على الأرض، يركلونها في كل مكان، كما روت لـ«هآرتس» هذا الأسبوع.
المرأة هي عفاف أبو عليا، 53 عاماً، أم لخمسة وجدة لتسعة. كان يمكن أن تكون جدة لأولئك الذين ضربوها حتى كادت تموت. كانت ترتدي ثوباً أسود مطرزاً تقليدياً، وجريمتها الوحيدة أنها شاركت عائلتها في موسم قطف الزيتون. هرع شبان من المزارعين القريبين لإنقاذها، فحملوها وهي تتأوه وفاقدة الوعي جزئيا، والدم يسيل من رأسها.
نُشر مقطع الفيديو الذي يوثّق هذه الجريمة على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، بل وبصورة نادرة بُثت أجزاء منه على القنوات الإسرائيلية. المراسلة عنبار تويزر ذكرت في تقريرها على القناة 12 أن قائد شرطة منطقة "شاي" (السامرة ويهودا)، اللواء موشيه بينشي، كتب في مجموعة "واتساب" داخلية أنه لم ينم بسبب المقطع، قائلاً: «هذا المجرم القاسي الذي يضرب النساء المسنات ويسبب لهن إصابات خطيرة سيُعتقل ويُقدَّم للعدالة». لكن النوم غلب على اللواء سريعاً، ولم يحدث شيء.
مرّ ما يقرب من أسبوعين على الحادث الذي وقع في قرية ترمسعيا شمال شرق رام الله، ولم يحدث أي تطور. يبدو أن «أشدّ تحقيق في تاريخ شرطة شاي» لا يزال مستمراً، فيما بدأت الشرطة بإلقاء اللوم على الضحية نفسها، عفاف، التي وصفها الناطق باسم الشرطة بأنها "السيدة الفلسطينية"، بزعم أنها لم تحضر إلى مركز الشرطة لتقديم إفادتها — وكأن السبب في إفلات المجرم هو تقصيرها.
لكن الحقيقة أنه لو أرادت الشرطة، لأمكن اعتقاله في اليوم ذاته. ولو كان فلسطينياً لحُكم عليه بالسجن لسنوات طويلة. لكن لأن الضحية فلسطينية بريئة والمعتدي مستوطن متطرف، فلن يمسه سوء على الأرجح، رغم أرق القائد بينشي. أما عفاف فما زالت تتألم وتعاني الأرق.
شقيق زوجها أيمن أبو عليا، الذي أقلّها إلى الحقل يوم 19 أكتوبر، استقبلنا في بيته الحجري الأنيق في قرية المغيّر القريبة. يبلغ من العمر 47 عاماً، له يدان خشنتان كأيدي الفلاحين. أب لعشرة أبناء، اثنان منهم توفيا: علي، الذي قتله جنود الاحتلال في 4 ديسمبر 2020 برصاصة في رأسه أثناء مواجهات بالحجارة، وكان عمره 16 عاماً؛ ووسام، الذي مات بمرض السرطان وهو في العاشرة. صور ولديه تملأ الجدران، ويُريها لنا على الفور. ابنه الآخر باسم سُجن قبل نحو ثلاث سنوات لمدة عام بسبب إلقاء الحجارة.
كان أيمن فلاحاً حتى اقتلع جيش الاحتلال أشجاره الزيتونية في أغسطس الماضي في إطار عقوبة جماعية زعموا أنها رد على "محاولة هجوم" من المغيّر. دمر الجنود 3100 شجرة زيتون في مشهد مفجع. بعد فقدان أرضه، بدأ أيمن يساعد مزارعين آخرين في قطف الزيتون في أراضي ترمسعيا.
في صباح الأحد، خرج أيمن مع زوجتي شقيقيه – عفاف ووفاء (كلتاهما في الـ53 عاما ) – وابن عفاف صلاح (32 عاما). وصلوا إلى الحقل في منطقة تدعى "الدلاجة". وبعد نصف ساعة من العمل، انقضّ عليهم 10 إلى 15 مستوطناً ملثماً يحملون مسدسات وعصياً معدنية. بدأوا بتحطيم سيارة أيمن القديمة من طراز مازدا رمادية، وكسروا النوافذ وثقبوا الإطارات. صرخ أيمن مستنجداً: «المستوطنون هنا! سيقتلوننا! دمّروا سيارتي!»، فهبّ أهالي القرية لمساعدتهم وأجلوا النساء، بينما انسحب المستوطنون تحت وابل الحجارة.
قبل نحو نصف عام، أقام المستوطنون بؤرة استيطانية قرب هذا الكرم نفسه، تُرهب السكان، ضمن عدة بؤر أخرى مثل "ملآخي هشالوم" (ملائكة السلام) و"أور نحمان".
عندما انسحب المستوطنون، حاول أيمن مع اثنين من رجال القرية سحب سيارته المعطوبة، لكن الجنود الإسرائيليين وصلوا إلى المكان واحتجزوه نحو 40 دقيقة، وأمروه بمغادرة المنطقة دون تفسير. بعد أن غادر الجنود، ظهر عشرات المستوطنين المقنعين مجدداً – نحو خمسين شخصاً بحسب تقديره – وهاجموه بعنف. احتمى بسيارته المهشمة، يصد الضربات بذراعيه، ثم فر نحو أشجار الزيتون بينما كانت الحجارة تنهال على ظهره.
في تلك اللحظة، أشعل المستوطنون النار في سيارته، كما ظهر في الفيديو المتداول. وبحسب محمد رمانة، الباحث الميداني في منظمة «بتسيلم»، أحرق المستوطنون في اليوم ذاته سيارتين أخريين لمزارعين فلسطينيين قريبين.
اختبأ أيمن بين الأشجار حتى وصل إلى قرية أبو فلاح المجاورة، وهناك علم من وسائل التواصل أن عفاف تعرضت للضرب المبرح. سارع إلى عيادة ترمسعيا ليجدها فاقدة الوعي، وجهها وثوبها ملطخان بالدم. قال شهود إن المستوطنين فروا معتقدين أنها ماتت. نُقلت عفاف في سيارة إسعاف فلسطينية إلى مستشفى الاستشاري برام الله، حيث تبين أنها تعاني نزيفاً داخلياً وتجلطات دماغية. احتاجت إلى 28 غرزة في رأسها وأُدخلت العناية المكثفة، بين الحياة والموت.
بعد نصف يوم استعادت وعيها، وأخبرت عائلتها أن المستوطنين ضربوها بالعصي على بطنها وذراعيها وساقيها، ثم ركلوها بعد سقوطها. وبعد أيام نُقلت إلى جناح عادي، ثم عادت إلى منزلها للتعافي.
عفاف امرأة مريضة تعاني من السكري. الفيديو الذي صوره المتطوع الأجنبي من سيارته مدته خمس دقائق، يُظهر الهجوم بوضوح، وتسمع فيه صرخات المصور غير المصدق لما يرى: «يا إلهي!» يكررها وهو يلهث من الهلع.
من الصعب حقا فهم عقل مريض قادر على رفع يده بعنف على امرأة بريئة عزلاء تحاول جني الزيتون في أرضها.
ورداً على استفسار «هآرتس»، قالت شرطة الاحتلال هذا الأسبوع:


«لم يُعتقل المهاجم بعد، لكننا نبذل كل جهد للوصول إليه. حاولنا مرات عدة تمكين السيدة الفلسطينية من الحضور لتقديم شهادتها ومعلومات تساعد في الاعتقال، لكنها لم تأتِ. التحقيق مستمر من أجل الوصول إلى المشتبه به وتقديمه للعدالة.»
زرنا بيت عفاف هذا الأسبوع برفقة أيمن. كانت تمشي بصعوبة، تشكو من الأرق وآلاما في الرأس وسائر جسدها، ولا يزال كدم أسود تحت إحدى عينيها.
سألناها: لماذا تعتقدين أنهم فعلوا ذلك؟
قالت: «إنهم أعداؤنا. هذا يحدث دائماً، يهاجموننا باستمرار، في كل القرى حولنا.»
هل ستعودين إلى الكرم؟ ابتسمت ابتسامة خافتة وقالت:
«هذه أرضنا. لن نغادرها.»
وعند مغادرتنا، كانت بؤرتا "أور نحمان" و"ملآخي هشالوم" تبدوان من فوق التلال، بينما امتدت أسفلنا أراضي الزيتون بين المغيّر وترمسعيا، مغطاة بمئات الأشجار المقتلعة بعنف.