نحو انعقاد المؤتمر الرابع للإتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة -التنظيم من أجل مستقبل عادل”


جهاد عقل
2025 / 10 / 30 - 16:49     

البداية: تضامن يسبق مؤتمراً حاسماً
في أجواء تستعد فيها الحركة النقابية العالمية لانعقاد المؤتمر العالمي الرابع للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة في مدينة سيدني بين 3 و7 نوفمبر 2025 ، تحت شعار "التنظيم من أجل مستقبل عادل"، تتجسّد روح هذا الشعار على أرض الواقع من خلال مواقف التضامن العملي بين النقابات في قارات مختلفة. فبينما يستعد أكثر من ألف مندوب نقابي لمناقشة التحديات الكبرى التي تواجه العمال — "من التحول الرقمي وأزمة المناخ إلى توسّع الخصخصة" ولذلك جرت العديد من النشاطات النقابية في مختلف المناطق ، ومنها توقيع اتفاقيات عمل جماعية دولية ، واضرابات كما حدث لعمال شركة فولكسفاغن في الولايات المتحدة ، كماعبّرت النقابات الإسبانية والفرنسية عن تضامنها القوي مع عمال قطاع الطاقة النووية في الأرجنتين، الذين يواجهون خططًا لخصخصة هذا القطاع الحيوي وتقسيمه إلى كيانات متفرقة وغيرها من النضالات الهامة.
وكما قال الأمين العام للاتحاد الدولي، أتله هويه، في مقاله الأخير على شرف المؤتمر: "جوهر رسالتنا هو الدفاع عن حقوق العمال وصوغ مستقبل يقوم على العدالة والديمقراطية والمساواة. التنظيم هو مصدر القوة الذي يمكّن العمال من مواجهة رأس المال العالمي”. ويؤكد الأمين العام أن جوهر هوية اتحاد نقابات عمال الصناعة الدولي "يكمن في تنظيم العمال والدفاع عن حقهم في إنشاء النقابات والانضمام إليها، باعتباره مصدر القوة الحقيقي. فحين ينظم العمال أنفسهم، لا يحققون فقط أجورًا أفضل وظروف عمل أكثر أمانًا، بل يبنون الانتماء ويحولون الخوف إلى قوة جماعية. وشعار التنظيم من أجل مستقبل عادل ليس مجرد عنوان، بل التزام استراتيجي ببناء حركة نقابية عالمية تربط النضالات وتحقق العدالة من خلال الوحدة.هذا التضامن الأممي بين النقابات من الجنوب والشمال هو تجسيد حيّ لتلك الرسالة”.

* خطر الخصخصة وتفكيك القطاع العام
في لقاءٍ إلكتروني نظّمه الاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة يوم 28 تشرين أول / أكتوبر، اجتمع ممثلو النقابات من إسبانيا وفرنسا مع نظرائهم من الأرجنتين لمناقشة التداعيات الخطيرة لخطط الحكومة الأرجنتينية الهادفة إلى خصخصة وتشتيت القطاع النووي العام. وقد شدّد المشاركون على أن القضية ليست تقنية ولا داخلية فحسب، بل تمسّ مستقبل الأمان الصناعي، وسيادة التكنولوجيا الوطنية، وحقوق آلاف العمال الذين راكموا خبرات لا يمكن تعويضها بين عشية وضحاها.
النقابات الأرجنتينية أوضحت أن هذه الخطط تهدد بتقويض المشاريع الاستراتيجية مثل CAREM (المفاعل النووي الصغير المصمم محليًا) وRA-10 (المفاعل البحثي والإشعاعي المتطور)، فضلًا عن الضغط المتزايد على مصنع المياه الثقيلة في باتاغونيا. واعتبروا أن تفكيك المنظومة العامة سيقضي على التكامل بين المؤسسات ويؤدي إلى فقدان كفاءات وخبرات بُنيت على مدى عقود.
إضافة إلى ذلك، عبّر المشاركون عن قلقهم من انخفاض الأجور إلى ما دون خط الفقر، حيث لا تتجاوز فئات عديدة رواتب تعادل 400 دولار أمريكي، ما يدفع الكفاءات الشابة إلى الهجرة والانضمام إلى شركات أجنبية. وقال رودولفو كِمبف من نقابة CTA–CNTI الأرجنتينية: «لسنا نتحدث عن نظرية، بل عن واقع معاش: رواتب لا تغطي الحد الأدنى للحياة، وكفاءات تغادر. إن خسرنا هؤلاء التقنيين، خسرنا السلامة والمستقبل».

* السلامة ليست للبيع
من جانبهم، أكّد ممثلو النقابات الفرنسية والإسبانية أن السلامة والأمان النوويين لا يمكن أن يخضعا لمنطق السوق. وقال يان بيروت من اتحاد FO–FédéChimie (فرنسا): " السلامة تتطلب إطارًا عامًا واضحًا ومراقبة عامة صارمة. لا يمكن تفويض إدارة النفايات أو دورة الوقود لشركات خاصة تبحث عن الربح السريع”. كما شدّد المشاركون على أهمية حماية الهيئة الرقابية النووية المستقلة في الأرجنتين وضمان تمويلها واستقلالها الفني الكامل.

* دروس من أوروبا: التجربة الإسبانية والفرنسية
تحدث ممثلو النقابات الإسبانية عن تجربتهم في خطة إغلاق المحطات النووية بين عامي 2027 و2035، مؤكدين أهمية التخطيط المسبق للحفاظ على الوظائف والخبرات أثناء عملية الإغلاق. وقال كارلوس بيريث من اتحاد UGT–FICA (إسبانيا): «لا يمكن لأي قرار في قطاع الطاقة أن ينجح دون حوار اجتماعي واستقرار سياسي. التشغيل أو الإغلاق، كلاهما يتطلب احترام المعرفة وحماية العمل اللائق».
أما من فرنسا، فقد قدّم المشاركون مراجعة نقدية لتجربة 25 عامًا من تحرير السوق، والتي أدت إلى تراجع الاستثمارات وفقدان المهارات وزيادة هشاشة العمل، قبل أن تستعيد الدولة الفرنسية ملكية 100 في المئة من شركة EDF لإعادة بناء قدراتها طويلة الأجل. وكانت رسالتهم واضحة: «القطاع النووي لا يمكن أن يُدار بعقلية الربح الفوري، بل يحتاج إلى مؤسسات قوية وتمويل مستدام وسياسات مستقرة».

* التضامن كاستراتيجية للسلامة
اختُتم اللقاء بكلمة ديانا خونكيرا، مديرة قطاع الطاقة في الاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة، التي قالت: "التضامن النقابي ليس مجرّد لفتة رمزية، بل هو استراتيجية للسلامة. حين يُفكَّك النظام النووي العام، تُفقد القدرات التي استغرق بناؤها عقودًا. لا حلول سريعة، بل طريق واضح: العمل اللائق، الشفافية، والتضامن الدولي”.وأضافت أن ما يجري في الأرجنتين ليس قضية محلية بل قضية عالمية تمسّ مستقبل العمال والبيئة والأمان الصناعي في كل مكان.

* روح التنظيم من أجل مستقبل عادل
هذا التضامن بين النقابات من الأرجنتين وإسبانيا وفرنسا قبل أيام من انعقاد مؤتمر الاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة في سيدني يعكس بوضوح ما يعنيه شعار المؤتمر: "التنظيم من أجل مستقبل عادل”. ففي مواجهة خصخصة الخدمات العامة وتهميش الكفاءات وتآكل الأجور، يقدّم هذا اللقاء نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه العمل النقابي العالمي — تضامنٌ لا يقتصر على الشعارات، بل يتحوّل إلى دفاع جماعي عن السلامة، والسيادة التقنية، وحقوق الإنسان في العمل. هكذا يبرهن الاتحاد الدولي وأعضاؤه أن التنظيم والتضامن ليسا فقط أدوات نضال، بل هما ضمانة المستقبل العادل الذي نحلم به جميعًا.
وبحق قال أتله هويه، الأمين العام للاتحاد الدولي للصناعات ، في مقاله الذي يعكس الخط الفكري الجديد للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة الذي يربط بين التنظيم النقابي العالمي والتحول الاقتصادي والاجتماعي العادل. ويركّز على الانتقال من الوعود الطوعية إلى آليات قانونية ملزمة، وهو تطور مهم في مقاربة الاتحاد لمسؤولية الشركات العالمية. كما يشير الى أن الملف الرقمي يمثل محورًا استراتيجيًا جديدًا للنقابات في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي. والانتقال العادل لم يعد قضية بيئية فقط بل قضية عدالة اجتماعية ومشاركة عمالية فعلية في صنع القرار.وأختتم بقوله رسالتنا للعمال في هذا المؤتمر :“نحن لسنا ضد الشركة، نحن ضد الظلم. نريد عقدًا يكرّم عملنا ويؤمّن مستقبلنا.”
لهذا يُتوقع أن يقوم المؤتمر في سيدني برسم خارطة طريق نقابية عالمية للأعوام الأربعة القادمة تجمع بين الدفاع عن الحقوق التقليدية والابتكار الاجتماعي في مواجهة التحول الرقمي والمناخي.
المصادر:
1. الاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة (IndustriALL Global -union-) – Trade -union-s from Spain and France show solidarity with Argentina’s nuclear workers، 28 أكتوبر 2025.
2. أتله هويه، الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة – التنظيم من أجل مستقبل عادل: على العمال أن يصوغوا التغيير، 30 أكتوبر 2025.