اليوم الدولي للرعاية والدعم 2025 -الرعاية الصحية حق إنساني وأساس للعمل اللائق-
جهاد عقل
2025 / 10 / 28 - 15:18
* مقدمة
يُحيي الاتحاد الدولي للنقابات اليوم الدولي للرعاية والدعم، الموافق 29 تشرين أول /أكتوبر، بتجديد الدعوة إلى الحكومات في كافة أنحاء العالم لتحويل الالتزامات الدولية التاريخية إلى إجراءات وسياسات ملموسة تُقرّ بأن الرعاية ليست خياراً خاصاً بل حقٌّ إنساني ومنفعة عامة، وأحد أعمدة العمل اللائق والتنمية المستدامة.هذه القضية تشغل بال مختلف الهيئات الدولية ، بل والعائلات في المجتمعات عامة ، في ظل الإرتفاع المتواصل لعدد المسنين والمصابين بامراض تتطلب الرعاية لهم على مدار 24 ساعة. والذين يقدر عددهم كما نرى لاحقاًّ بحوالي مليار عامل رسمي وغير رسمي ، لهذا ترى الحركة النقابية ضرورة الموضوع ضمن اجندتها النضالية ، م أجل مأسسة حقوق الامل في هذه المهنة الإنسانية واتتطل جهد كبير من قبل العاملين بها خاصة انساء منهم.
1. محطتان تاريخيتان في أجندة الرعاية
في شهر حزيران/ يونيو 2025، أصدرت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان رأياً استشارياً يُعدّ "اختراقاً" في القانون الدولي، إذ اعتبرت أن الرعاية تشكّل "حقاً إنسانياً مستقلاً بذاته”. وقد أكّدت هذه القرار على التزام الدول بضمان هذا الحق، خصوصاً من حيث المساواة وعدم التمييز، وحماية الفئات الهشة.
اتحاد النقابات العمالية العالمي، الذي ساهم بنشاط في هذا المسار، يرحّب بهذا التطور بوصفه تحققاً لجهود طويلة من جانب النقابات والعاملين في الرعاية: الرعاية ليست امتيازاً، بل مسؤولية مشتركة ومنفعة عامة.
وبناءً على ذلك، اعتمدت منظمة العمل الدولية في مؤتمر العمل الدولي في مؤتمرها العام دورة 113 بشهر حزيران/ يونيو� قراراً بشأن "العمل اللائق واقتصاد الرعاية”. وفي شهر تشرين ثاني / نوفمبر 2024، تبنّى مجلس إدارة المنظمة نفسها خطة عمل للفترة 2024- 2030 لتفعيل القرار، مؤكداً أن العمل اللائق والمساواة بين الجنسين وجودة الرعاية مترابطة بعمق وتشكل ركائز أساسية للرفاه الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والبيئي.
2. من الاعتراف إلى الفعل: دعوة للاستثمار العاجل
الاتحاد الدولي للنقابات العمالية في تقريرة الصادر بهذا الموضوع يؤكد: الاكتفاء بالاعتراف لم يعد كافياً — ما يجب أن يتبعه هو تحرك عاجل من خلال:
- استثمار عام كافٍ في خدمات الرعاية والدعم كمحركات لخلق الوظائف والمساواة بين الجنسين.
- تبني سياسات إجازة الرعاية والحماية الاجتماعية للعاملين والعاملات الذين يتحمّلون أعباء الرعاية.
- ضمان العمل اللائق والأجور العادلة لجميع العاملين في قطاعات الرعاية.
- تصميم أنظمة متكاملة للرعاية والدعم مبنية على المعايير الدولية والحوار الاجتماعي.
3. الأرقام العالمية – حجم القوى العاملة في الرعاية
وفق منظمة العمل الدولية، فإن القوى العاملة في الرعاية المدفوعة تشمل حوالي 381 مليون عامل وعاملة حول العالم.
كما بلغ عدد الأشخاص غير المشاركين في القوى العاملة بسبب أعباء الرعاية غير المدفوعة حوالي 748 مليون شخص، منهم 708 مليون امرأة. هذه الأرقام تبيّن أن اقتصاد الرعاية ليس قطاعاً هامشياً، بل سوق عمل ضخم يتطلب استثمارات عامة ضخمة وسياسات إنصاف عادلة.
4. حالة الولايات المتحدة – معركة حقوق عمال الرعاية
في الولايات المتحدة، يشكّل العاملون في الرعاية المنزلية والعاملون الصحيون فئة كبيرة ونشطة تُقدّر بحوالي 3 ملايين عامل.
في عام�، شملهم قانون العمل الفيدرالي بالحد الأدنى للأجور وأجر الساعات الإضافية، غير أن إدارة الرئيس دونالد ترامب اقترحت العودة إلى تصنيف بعضهم كمرافقين مستثنين من الحماية الفيدرالية، مما يشكل تراجعاً خطيراً عن الحقوق المكتسبة.
هذه الخطوة تمس غالبية العاملات في هذا القطاع، وغالبيتهن من النساء والأقليات والمهاجرين، وتهدد العدالة الاجتماعية وتفاقم أزمة اليد العاملة في الرعاية. الأمر الذي دفع الحركة النقابية الأمريكية الى خوض نضال من أجل إسقاط خطة ترامب هذه.
5. انعكاسات نقابية وتوصيات الاتحاد الدولي للنقابات العمالية
- الاعتراف الدولي بالرعاية كحق إنساني يجب أن يُترجم إلى حماية قانونية حقيقية للعاملين.
- السياسات الوطنية يجب أن تتجنب الخصخصة والتراجع عن الحقوق المكتسبة.
- يجب أن تشمل المفاوضة الجماعية العاملين في الرعاية المنزلية وغير الرسمية والمهاجرين.
- ضرورة جمع البيانات الوطنية عن حجم عمال الرعاية وأجورهم وظروفهم ضمن الحملات النقابية.
- تعزيز التحالفات الدولية بين النقابات لتبادل الخبرات ومتابعة تطبيق قرار منظمة العمل الدولية بشأن العمل اللائق واقتصاد الرعاية.
6. المثال العربي والتوجه إلى النقابات العربية
في المنطقة العربية، ما زال قطاع الرعاية يعاني من ضعف الاعتراف الرسمي، وغياب سياسات عامة شاملة تضمن حقوق العاملين والعاملات فيه، خصوصًا في الرعاية الصحية المنزلية، ورعاية الأطفال والمسنين. ومع ذلك، برزت بعض المبادرات الإيجابية التي يمكن البناء عليها.
في الأردن، على سبيل المثال، أطلقت منظمات نقابية ومدنية مبادرات لتعزيز خدمات الرعاية المجتمعية في قطاع الصحة والتعليم، بدعم من الاتحاد العام لنقابات العمال، ومنظمات المرأة، وشركاء دوليين مثل منظمة العمل الدولية. وقد تضمنت تلك المبادرات تدريب العاملات في الرعاية المنزلية وتنظيمهن ضمن جمعيات ونقابات فرعية، والمطالبة بتشريعات تحميهن من الاستغلال، وتضمن لهن الحماية الاجتماعية والأجور العادلة.
هذه التجربة الأردنية وغيرها في بلدان مثل تونس والمغرب تُظهر أن التنظيم النقابي لقطاع الرعاية ممكن، وأنه يمكن تحويل العمل المنزلي أو المجتمعي إلى عمل لائق يُعترف به ويُحمى بالقانون. وفي هذا السياق، يدعو الاتحاد الدولي للنقابات العمالية النقابات العربية إلى:
- إدماج قضية الرعاية ضمن برامجها الوطنية للمساواة والعمل اللائق.
- المطالبة بإدراج "الحق في الرعاية" في التشريعات الوطنية كجزء من منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
- الدفاع عن العاملات المهاجرات في قطاع الرعاية المنزلية، وضمان حمايتهن من التمييز والاستغلال.
- بناء تحالفات مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات النسوية لتطوير "اقتصاد رعاية عادل" يخدم العمال والمجتمعات على حد سواء.
إن النقابات العربية مدعوة اليوم لأن تكون في طليعة النضال من أجل الاعتراف بالرعاية كحق إنساني وعمل لائق،
ولأن تساهم في صياغة عقد اجتماعي جديد يضع العدالة الاجتماعية والرعاية العامة في قلب التنمية.