بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل Z212 المغربي.... ج٢


ليث الجادر
2025 / 10 / 24 - 22:22     

الجزء الثاني: نحو معيار ماركسي لتشخيص الحراك الرقمي

إن قوة الحشد وسرعة الانتشار مقابل ضعف الوعي الطبقي والبرامج السياسية لا يمكن أن يتعامل معها التحليل الماركسي كحالة ثورية قابلة للتطوير، بل يجب أن يُحاكمها وفق تقييم صلب يضع توافر ممكنات انضوائها تحت جناح التنظيم والقيادة الطبقية كحدٍّ فاصلٍ بين كونها حراكًا فوضويًا احتجاجيًا أو حراكًا عصاميًا عفويًا يستوعب منطق الثورة والتغيير.

والحال هذه — وخصوصًا مع تجربة العراق — يجب أن يكون الدرس الماركسي المركزي هو أن هذه الاحتجاجات الرقمية، رغم طابعها العفوي، تُوظَّف في النهاية ضمن إرادات الطغيان الرأسمالي، أي داخل البنية الفوقية للنظام نفسه، لتعمل كصمّام تنفيس للغضب لا كأداة تفجير للوعي.

لقد أصبحت الرأسمالية المعاصرة أكثر ذكاءً؛ فهي لا تقمع الثورة فقط، بل تُعيد إنتاجها ضمن شروطها التقنية والإعلامية لتفرغها من محتواها الطبقي. إننا أمام عملية استئصال هادئة وعميقة لم تعرفها البشرية من قبل: استئصال للثورة الاجتماعية لا بالقمع المباشر، بل بإعادة برمجة أدوات الاحتجاج ذاتها لتخدم إعادة تدوير النظام الرأسمالي.

من هنا، يصبح واجب الماركسية اليوم ليس الاحتفاء بأي موجة احتجاجية جديدة بوصفها علامة على الوعي، بل إخضاعها لاختبارٍ ماديٍّ صارم:

هل تملك قيادة طبقية؟

هل تمتلك أدوات تراكم مؤسساتي؟

هل تطرح برنامجًا يهدد علاقات الإنتاج لا يرممها؟

هل يمكنها النجاة من الاحتواء الرقمي والإعلامي؟

فقط حين تتوافر هذه الشروط يمكن القول إننا أمام حركةٍ تتجاوز العفوية إلى الثورة. أما ما عدا ذلك فمجرد حراك فوضوي إصلاحي مبرمج رقميًا، يعيد تدوير وعود العدالة ضمن النظام الذي ينتج الظلم ذاته.

خاتمة الجزء الثاني

إن الماركسية في عصر الرقمنة مطالبة بأن تستعيد صرامتها لا بوصفها نظرية أيديولوجية، بل أداة قياس وتحليل مادي.
ولذلك، فإن أي حراكٍ رقميٍّ بلا قيادة طبقية وبلا أدوات تراكم نضالي ليس ثورةً، بل انعكاسٌ جديد لقدرة الرأسمالية على امتصاص الغضب وتحويله إلى طاقةٍ لإعادة إنتاج ذاتها.
وهكذا، يصبح الموقف الماركسي الصارم هو الدفاع الأخير عن معنى الثورة ذاته، في زمنٍ تُحوَّل فيه كل ثورة إلى محتوى رقمي يُستهلك.