الوحدة طريق الانتصار.. ولكن
نهاد ابو غوش
2025 / 10 / 23 - 14:59
نهاد أبو غوش
منذ الانتفاضة الفلسطينية الكبرى اواخر ثمانينات القرن الماضي، عانت الحركة الوطنية الفلسطينية من انقسام حاد ترك اثره على المجتمع، وعلى الأداء الكفاحي والسياسي، هذا الانقسام يتمثل في وجود تنظيمات رئيسية خارج الإطار الوطني الجامع ممثلا في منظمة التحرير الفلسطينية، وهذه التنظيمات هي حركتا حماس والجهاد الإسلامي أولا، ثم الفصائل التي كانت تدور في فلك النظام السوري، أو تعارض اتفاق أوسلو ومخرجاته، مثل تنظيمات القيادة العامة والصاعقة وفتح الانتفاضة والتي شكلت ما التنظيمين الإسلاميين ما سمي بتحالف القوى العشرة. هذا الانقسام العامودي شجع على حصول انقسامات في بعض الفصائل الصغيرة ايضا مثل الانقسام في جبهة النضال الشعبي، ومثيله في جبهة التحرير الفلسطينية وهذان الانقسامان احتفظت أطرافها بالاسم الأصلي للتنظيم وبات لدينا تنظيم ضمن صفوف منظمة التحرير ومؤيد للقيادة الرسمية، وتنظيم آخر بنفس الاسم ويجلس في صفوف المعارضة، انشقاقات أخرى حصلت سابقا في الجبهة الديمقراطية بخروج حزب فدا من بين صفوفها، والجبهة العربية بخروج الجبهة العربية الفلسطينية، وانشقاقات مشابهة في حزب الشعب الفلسطيني (التنظيم الشيوعي سابقا).
دخلت الخلافات والانقسامات طورا جديدا بتوقيع القيادة التاريخية لمنظمة التحرير على اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، الأمر الذي أنشأ واقعا سياسيا واجتماعيا جديدا، دفع القيادة التاريخية للمنظمة إلى التخلي عن الكفاح المسلح واتخاذ خيار السلام والمفاوضات كسبيل رئيسي لتحصيل الحقوق الفلسطينية مع أن واقع الأمر ان الخيار العسكري لم يجر التخلي عنه نهائيا كما حصل في الانتفاضة الثانية. اتفاق أوسلو لم يكن مجرد اجتهاد(قد يصيب وقد يخطئ)، بل مثل خيارا سياسيا واجتماعيا وطبقيا لشرائح البيروقراطية الفلسطينية المتحالفة مع راس المال الكومبرادوري، حيث غلب هذا التحالف مصالحه الذاتية والفئوية الخاصة على مصالح بقية فئات الشعب وشرائحه وبخاصة جماهير اللاجئين في الوطن والشتات، كما أن القيادة التاريخية لمنظمة التحرير قبلت هذا الاتفاق الانتقالي المؤقت الذي أجل القضايا الجوهرية لمفاوضات الوضع النهائي (القدس، اللاجئين، الحدود، الاستيطان، الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية، والمياه)، حتى لا يجري شطبها وخروجها من المعادلة لصالح قيادات جديدة افرزتها الانتفاضة أو كان يمكن للواقع المحلي والإقليمي الجديد أن يفرزها، والطامة الكبرى أن هذا الاتفاق الانتقالي المؤقت تحول إلى حالة دائمة وتراهن إسرائيل على جعلها السقف النهائي والأعلى لطموحات الفلسطينيين الوطنية.
استفردت القيادة الرسمية للمنظمة الممثلة بقيادة فتح بمؤسسات السلطة والمواقع الرئيسية في اجهزتها المدنية والأمنية، وخاضت انتخابات المجلس التشريعي الأولى عام 1996وحدها مع حضور هزيل جدا لبعض القوى الهامشية والمستقلين، في ظل مقاطعة حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية للانتخابات، وهو ما تغير بشكل جذري في الدورة التالية للانتخابات عام 2006 التي أحدثت انقلابا دراماتيكيا تمثل في فوز حركة حماس بأغلبية المقاعد، لكن تلك الانتخابات وخسارة فتح لها سوف تكون الدافع لأكثر الانقسامات والأزمات خطورة في تاريخ الحركة الوطنية وهي الأزمات المتلاحقة التي انتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة فيما عرف ب"الانقلاب" وفق ادبيات فتح، و"الحسم العسكري" وفق أدبيات حماس.
عقدت عشرات جلسات الحوار الوطني في عديد العواصم والمدن العربية والدولية ومنها القاهرة والجزائر وصنعاء والدوحة ومكة ورام الله وغزة وموسكو وبكين، عسى أن تضع حدا لهذا الانقسام بدون طائل، ومن الواضح أنه إلى جانب الخيارات السياسية المتعارضة والمتناقضة، فإن مصالح ذاتية وفئوية نشأت وتنامت مع الانقسام، كما ان أطرافا إقليمية ودولية عديدة عبثت وتلاعبت بالشأن الفلسطيني الداخلين وأخطرها بالطبع هي الاصبع الإسرائيلية التي عملت على تأجيج الانقسام، حتى أن نتنياهو اعترف علانية أن الانقسام الفلسطيني يمثل مصلحة استراتيجية لإسرائيل، وهوبذلك يراهن على تفتيت الكيانية الوطنية الفلسطينية والادعاء بعدها أنه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن استكمال المسيرة السياسية معه.
تكدست قرارات الحوار الوطني من دون أن تجد طريقها للتنفيذ، مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية في الضفة بما فيها القدس، وفي غزةن وترافق ذلك مع استقرار حكم اليمين في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو الذي تبنت حكومته مقاربة لحسم الصراع بالقوة بل حله أو ادارته، وعملت إسرائيل على استثمار الظروف الدولية والإقليمية والفلسطينية الداخلية، للقفز عن القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مجرد شان داخلي إسرائيلي تتحكم هي في إدارته ومعالجته على قاعدة أن الفلسطينيين ليست لهم حقوق وطنية وسياسية وأن اقصى ما يمكن أن يتاح لهم هي الحقوق المعيشية.
انفجرت معركة طوفان الأقصى على هذه الخلفية وقدمت المقاومة بقيادة حماس أداء بطوليا وسط أداء سلبي لقيادة السلطة، لكن الخلاصة الأهم في كل هذا المسار أنه في ظل الانقسام لا يمكن للمفاوضات والمسار السلمي أن يأتي بنتائجن كما لا يمكن للمقاومة ان تكون ناجعة وفعالة بما يتناسب مع حجم التضحيات ومع الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.