الوحدة الوطنية الفلسطينية (2 من 3)


نهاد ابو غوش
2025 / 10 / 22 - 10:04     

نهاد أبو غوش
على امتداد عقود النضال الوطني الفلسطيني، تعددت وتنوعت أطر النضال، فالتشكيلات السياسية التي قادت النضال الفلسطيني قبل النكبة، تميزت بطابعها التقليدي العشائري، وغالبا ما تولت قيادة تلك التشكيلات زعامات عائلية إقطاعية أو من شخصيات قريبة منها من كبار الملاك وأفندية المدن. ومع ذلك عقدت سلسلة من المؤتمرات الوطنية التي غلب على حضورها ممثلو العائلات الكبيرة في المدن والريف. وكان الشخصية الطاغية في عقود العشرينات والثلاثينات والأربعينات هو الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وسلسل العائلة الإقطاعية الشهيرة، الذي طبع مجموع الحركة الوطنية بطابعه الفردي وسلطته المطلقة التي وصل تأثيرها إلى بلاد بعيدة عن فلسطين، حيث كانت للحاج أمين علاقات قوية مع الرايخ الثالث، حيث هرب من مطاردة الانجليز له ولجأ إلى برلين وهناك التقى بالزعيم النازي هتلر، وهو ما ظلت الحركة الصهيونية وداعموها يتخذونه مدخلا للطعن في الحركة الوطنية الفلسطينية- مع العلم ان اتجاهات رئيسية في الحركة الصهيونية كانت تراهن على النازي في مواجهة التيار المؤيد للحلفاء. ورغم بداية التشكيلات السياسية القائمة، تشكل إطار موحد للحركة الوطنية تحت إسم الهيئة العربية العليا لفلسطين التي تشكلت في العام 1946. جدير بالذكر أن الأطر القيادية العليا خلت من التشكيلات الحداثية مثل الشيوعيين، وبعض الحركات المسلحة مثل حركة الشيخ عز الدين القسام. ومع هزيمة الحركة الوطنية الفلسطينية ووقوع التكبة الكبرى، اختفت واندثرت معظم أطر الحركة الوطنية وإن بقي بعضها كواجهة شكلية مثل الهيئة العربية العليا التي بقيت حتى وفاة الحاج أمين في العام 1974.
خلال عقد الخمسينات وحتى منتصف الستينات، تراجع حضور التنظيمات التي تعبر عن الهوية الفلسطينية، مع صعود المد القومي والناصري برزت التنظيمات القومية بقوة، ولكنها عملت تحت أسماء قومية (حركة القوميين العرب، حزب البعث العربي الاشتراكي)، أما الشيوعيون الفلسطينيون فقد انخرط شيوعيو الضفة الغربية في إطار الحزب الشيوعي الأردني، وشيوعيو الداخل المحتل عام 1948 في إطار الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وحدهم شيوعيو غزة حافظوا على اسمهم الفلسطيني، وبالطبع رفع الإسلاميون أسماء إسلامية عابرة للحدود الوطنية والقومية والقطرية. وظل الوضع على هذا النحو حتى تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية في مايو 1964 وبعدها بشهور قليلة انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مطلع يناير 1965.
تشكيل منظمة التحرير كان بقرار القمة العربية، ولذلك طلت المنظمة ذات طبيعة "رسمية" تعمل تحت مظلة الأنظمة العربية الرسمية وضمن حدودها وخطوطها وتوافقاتها، مع أن المنظمة، وهيئتها الموسعة اي المجلس الوطني الفلسطيني، استقطبت الحالات الطليعية المناضلة من مختلف الاتجاهات السياسية، لكن قيادة المنظمة وتكوينها القيادي ظل مقيدا لضوابط النظام السياسي الرسمي العربي، وللدلالة على ذلك نشير إلى أن أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري شغل منصب وزير دولة في المملكة السعودية، وكان مندوبا للسعودية في الأمم المتحدة، وكان قبل ذلك عضوا في البعثة السورية في الأمم المتحدة!
التحول الأهم في تاريخ منظمة التحرير والحركة الوطنية الفلسطينية، جاء بعد هزيمة حزيران عام 1967 التي مثلت هزيمة للأنظمة العربية من جهة، كما أنها كانت هزيمة لفكرة ارتهان الحركة الوطنية الفلسطينية للنظام الرسمي العربي وتشكيلاته التابعة له، وهكذا سيطرت الفصائل الفدائية الفلسطينية وأبرزها حركة فتح على منظمة التحرير بحكم قوة الأمر الواقع، وتحققت هذه السيطرة بشكل سلس ودون صدامات حقيقية، بين تشكيلات منظمة التحرير والفصائل الفدائية، وجرى في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني استبدال الميثاق القومي بالميثاق الوطني، وهيمنة الفصائل المسلحة على عضوية المجلس والتي تعززت في الدورة الخامسة في شباط 1969 والتي جرى فيها انتخاب ياسر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.