الوحدة الوطنية الفلسطينية (1 من 3)
نهاد ابو غوش
2025 / 10 / 22 - 01:56
نهاد أبو غوش
من العبارات التي تتردد كثيرا في مجرى النضال الوطني الفلسطيني المتواصل منذ مطلع القرن العشرين " الوحدة طريق الانتصار" أو قانون الانتصار، ما من قائد أو خطيب إلا ويردد هذه العبارة، التي لا يخلو منها بيان او تقرير، ويهتف بها المتظاهرون، وغير ذلك من اشكال التمجيد والاحتفاء، مع أن اي تدقيق ولو بسيط سبكشف أن الناس تختلف اختلافا واسعا حول مفهوم الوحدة، ومن هي الأطراف المشمولة بها والمدعوة للانخراط بها.
فكرة الوحدة كانت حاضرة في كل ثورات التحرر الوطني، وحتى في النضالات الاجتماعية، وهي بالطبع تشمل القوى السياسية والاجتماعية التي يتشكل منها شعب ما، ولا تشمل بالطبع الأفراد أو التشكيلات التي اصطنعها العدو الوطني ووظفها لتلبية خططه وأجنداته. ولعل أبرز الإبداعات الثورية لمفهوم الوحدة الوطنية في سياق النضال التحرري هي صيغة " الجبهة الوطنية المتحدة" التي كان القائد الشيوعي البلغاري جورجي ديمتروف من ابرز واضعي اسسها النظرية كاستراتيجية للقوى الوطنية والديمقراطية والثورية في مواجهة خطر مشترك، وفي حالة بلغاريا كان الخطر النازي. وأمكن تعميم هذه الصيغة في معظم تجارب حركات التحرر الوطني من خلال التطبيق الخلاق للمنهج المادي الجدلي على قضايا الثورة والمجتمع، أي من خلال قانون وحدة وصراع الأضداد، وتغليب التناقض الرئيسي ( وهو في حالة النضال ضد الاستعمار التناقض بين مصالح جميع قوى المجتمع بما فيها البرجوازية، وبين الاستعمار الخارجي أو الاحتلال).
ثمة تجارب تاجحة بلا شك في بناء الجبهات الوطنية، حين تكون الصراع ضد الاستعمار أو الاحتلال حادا ولا يفسح في المجال لأي تباينات أو خلافات بين قوى التحرر لكي تطغى على التناقض الرئيسي، والمفارقة الساخرة والحزينة هي أن عديد الجبهات الوطنية المتحدة أو تلك التي سميت جبهات وطنية تقدمية، تحولت إلى ديكور باهت لسطوة الحزب الحاكم، بل إلى جوقة تسحيج وتأييد غير مشروط لاستبداد الحاكم الفرد،ولدينا عديد النماذج العربية الصارخة على هذه الحالة كما في تجارب انظمة أوروبا الشرقية "الاشتراكية" عشية سقوطها وانهيارها.
الحالة الفلسطينية تبدو أكثر تعقيدا وصعوبة من نماذج التحرر الوطني الكثيرة ويعود ذلك لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، فمن جهة يمكن اعتبار حالة التوع والتعددية في صفوف الشعب الفلسطيني أمرا اصيلا وطبيعيا بحكم تعدد طوائف المجتمع الفلسطيني وأنماط حياته الاجتماعية. والتطور النسبي الذي شهده المجتمع الفلسطيني قبل النكبة وبخاصة تأسيس صناعات حديثة، وصحف ونقابات وإذاعة وانتشار أفكار الحداثة والتنوير مبكرا إما من خلال انخراط الفلسطينيين في حركات العربية الفتاة أو سوريا الفتاة، أو بأثر التعليم المبكر، الذي ساعد في انتشاره المدارس الدينية والإرساليات الأجنبية. ثم ما تعرض له الفلسطينيون بعد النكبة من تشتت وانتشار في بيئات مختلفة وفي ظل أوضاع قانونية وسياسية متباينة، كما أن تعقيدات القضية الفلسطينية وخصوصيات الوضع الجيوسياسي لفلسطين وشعبها جعل من الأرض الفلسطينية ساحة تلتقي في جنباتها مختلف التيارات السياسية والفكرية، ووسط دول مركزية في عموم المنطقة العربية والشرق اوسطية ( فلسطين محاطة بمصر وسوريا ولبنان والأردن وعلى مقربة من السعودية والعراق)، وللدلالة على ذلك نشير إلى أن فلسطين شهدت تشكيل اول حزب شيوعي في المنطقة العربية، وشارك طليعيون فلسطينيون في تأسيس حركة القوميين العرب، والحركات القومية الأخرى، كما كانت فلسطين اقرب الساحات لمصر التي شهدت انطلاق حركة الاخوان المسلمين.
في وقت لاحق ومع استقلال مزيد من الدول العربية، كان لهذه الأنظمة تأثيراتها على بنية حركة التحرر الوطني الفلسطينية، بل كان لبعض الدول تشكيلاتها السياسية التابعة لها مثل منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة) التابعة للنظام السوري، أو جبهة التحرير العربية التابعة للنظام العراقي واللتين كان لكل منهما ممثلون رسميون في أعلى الهيئات القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية.