الأسير الفلسطيني: جبهة متقدّمة ضد الصهيونية والإمبريالية
عادل المغربي
2025 / 10 / 20 - 01:51
"إن تاريخ كل مجتمع حتى الآن، هو تاريخ صراع الطبقات."
بهذا المبدأ الماركسي الخالد، نُضيء على تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية، ليس بوصفه سيرة حزينة لأفراد، بل كظاهرة بنيوية تكشف بعمق عن جوهر الصراع الفلسطيني-الصهيوني: صراع وجودي بين الامبريالية والصهيونية من جهة، وبين جماهير الشعب الفلسطيني التي تُقاوم الاقتلاع من جهة اخرى.
إن "السجن هو المرآة التي ينكسر عليها ضوء الحقيقة القاسية، ليكشف البنية المادية للقمع." لذلك فقضية الأسير الفلسطيني ليست حادثة عابرة أو مجرد ملف إنساني. إنها نتيجة تراكم، وجبهة مقاومة، والجوهر المكثَّف لنضال شعبٍ كاملٍ رفض الرضوخ لمشروع الاقتلاع الاستيطاني. عندما نتحدث عن الأسير، فإننا نُحلِّل جوهر الصراع في أبعاده الأكثر جذرية: صراع التحرر الوطني ضد الاستعمار والاستيطان.
إن كل قيد على معصم الأسير هو نتاج لعقود من المقاومة، ورفضٍ مطلقٍ لتحطيم الهوية الوطنية. الأسير هو التجسيد الحي للذاكرة الثورية؛ إنه الفرد الذي امتلك الوعي الوطني اللازم لكسر وهم السلم الزائف والخضوع.
لقد حوَّل الأسرى الفلسطينيون السجن، الذي أُريد له أن يكون بؤرة للعزل والإلغاء، إلى مؤسسة تعليمية وتنظيمية (كما أثبت التاريخ النضالي). إنهم يُعلِّموننا أن نضالهم من أجل أبسط الحقوق، الذي دفع ثمنه الدم والأمعاء الخاوية، هو فعل سياسي بامتياز؛ فعل يؤكد أن قوة الإرادة الشعبية لا يمكن أن تُهزَم ببراميل القمع الحديدية.
إن إدراك البُعد الإمبريالي في الصراع هو مفتاح فهم قضية الأسرى. إن الكيان الصهيوني ليس دولة محلية طبيعية، بل هو قاعدة عسكرية متقدمة، ومصنع وظيفي للقمع زرعته الإمبريالية العالمية (وعلى رأسها الولايات المتحدة) في قلب المنطقة. وظيفته الأساسية هي:
ضمان هيمنة رأس المال على الموارد.
تفتيت الوحدة الجغرافية والسياسية للشرق الأوسط.
توفير مِخلَب عسكري لفرض الأجندات الامبريالية.
لذلك، عندما يشن هذا الكيان حملات الإبادة والاعتقال الجماعي (كما حدث في سياق "طوفان الأقصى")، فهو لا يمارس عنفاً محلياً، بل يمارس عنفاً إمبريالياً بالوكالة.
فكل صفقة تبادل أسرى تُنجَز، وكل إضراب عن الطعام يُفرَض، هو ضربة في قلب البنية الفوقية للكيان الصهيوني، وإعادة تأكيد على الحق الثوري للشعب الفلسطيني الذي رفض أن يدمَج في النظام الصهيوني الاستيطاني كـ "قوة عمل رخيصة" أو "مخزون احتياطي".
في هذا السياق، يصبح الدفاع عن الأسرى والنضال من أجل تحريرهم جزءاً لا يتجزأ من النضال ضد الصهيونية والقوى الإمبريالية الداعمة لها. وهو نضال يمكن من:
أ. تعرية الشعارات الإمبريالية الخادعة:
إن القوة التي تسحق عظام الأسير في التحقيق، وتُنكِّل به في العزل، هي ذاتها القوة التي تُرسي قواعد الإمبريالية وتضمن تدفق مصالحها. لذا، فإن النضال من أجل تحرير الأسير هو في جوهره نضال ضد السيطرة الإمبريالية.
إن قضية الأسرى هي الواجهة الأمامية والأكثر صدقاً لفضح الشعارات الإمبريالية الجوفاء حول "حقوق الإنسان" و"القانون الدولي" و"المعايير الإنسانية". عندما يتم اعتقال الآلاف، بمن فيهم الأطفال والنساء، ويُمارس ضدهم التعذيب المنهجي والإهمال الطبي القاتل تحت سمع وبصر العالم، فإن هذا يُثبت أن هذه المفاهيم ليست سوى بنية فوقية إيديولوجية خادعة تُستخدم لتبرير قمع المُضطَهَدين وحماية المُستعمِر. إن المرافعة عن الأسير هي مرافعة ضد النفاق الإمبريالي.
ب. تعميق العزلة العالمية للكيان:
بعد جرائم الإبادة والتنكيل التي يقوم بها الكيان ضد الفلسطينيين، يكتسب النضال من أجل الأسرى بعداً استراتيجياً في تعميق عزلته العالمية. كل شهادة أسير مُحرَّر، وكل تقرير عن التعذيب الممنهج داخل السجون، يُمثِّل مادة إدانة تاريخية تساهم في:
* نزع الشرعية عن دولة الاحتلال.
* حشد الرأي العام الثوري والجماهيري العالمي.
* تضييق الخناق السياسي والدبلوماسي على حلفائها.
إن تحرير الأسير هو إذن فعل تحريري مزدوج: تحرير جسدي للفرد، وتحرير للوعي العالمي من أغلال الدعاية الإمبريالية. إنه إعلان بأن قوة المقاومة الفلسطينية هي القوة الوحيدة القادرة على فرض التغيير الجذري على هذه القاعدة العسكرية المُتقدِّمة.
فدماء الأسرى، ومعاناتهم، وحريتهم المنشودة، ليست سوى بذرة للحرية القادمة. إن تحريرهم ليس نهاية المعركة، بل هو تأكيد على انتصار الإرادة الجماهيرية التي سترفع راية التحرير الكامل، على الأرض وفي الوعي، ضد كل أشكال الاستغلال والقمع الصهيوني والإمبريالي.
لن تُكسَر شوكة الاحتلال إلا بكسر قيده؛ فكل أسير يُحرَّر هو خطوة نحو تحرير الوطن كله من هيمنة الصهيونية والإمبريالية!
الحرية للأسرى والمعتقلين!
الموت للإمبريالية والصهيونية!