هل صحيح ان البرلمان ساحة للنضال للقوى اليسارية؟


طارق فتحي
2025 / 10 / 17 - 20:21     

الطرح المعلن لبعض القوى اليسارية التي تشارك في الانتخابات هو ان التغيير يمكن ان يأتي من الداخل، أي من داخل العملية السياسية، وهذا الطرح يكاد يكون ثابتا لا يتغير، ففي كل دورة انتخابية ينتشر هذا الطرح، أو تنشره القوى اليسارية الداخلة في الانتخابات، وقد أصيبت الكثير من القوى اليسارية بعدوى هذا الطرح السياسي المزيف والوهمي.

في الفلسفة الوضعية هناك ما يسمى مبدأ "إمكانية التحقق"، والتحقق في المعاجم الفلسفية هو: "ما يجريه العالم من عمليات لإثبات صحة الفرض"، ولو طبقنا هذا المبدأ على الفرض القائم على ان "البرلمان ساحة للنضال" او "التغيير يأتي من الداخل"، كما تفترض وتتخيل جماعات اليسار الداخلة في العملية السياسية، قلنا لو طبقنا هذا المبدأ فما الذي من الممكن اثباته؟

انبثقت العملية السياسية بشكل رسمي بعد اجراء الانتخابات الأولى 2005، قبلها مر البلد بمرحلة انتقالية من حكم سيء الذكر بول بريمر كحاكم عسكري، ثم الى مجلس حكم شبيه ب "اللويا جيرغا" الافغاني؛ كانت تلك الانتخابات مهمة للقوى الإسلامية والقومية كونها ستمهد لكتابة دستور للبلاد، وهو ما سيثبت شكل العملية السياسية على هيئة طوائف وقوميات واثنيات.

هذا الرسم لشكل السلطة صار أحد الثوابت لدى قادة العملية السياسية، وهو ما تعاقدوا عليه وما ساروا به، لا يمكن الاخلال او خرق هذا العقد، لكل طائفة او قومية حصتها المتفق عليها: رئاسة الجمهورية للقومية "س"، رئاسة البرلمان للطائفة "ص"، رئاسة الوزراء والقضاء الاعلى للطائفة "د"، ثم جرى تقسيم فرعي آخر: عدد الوزارات للطائفة "د" كذا، وللطائفة "ص" كذا" وللقومية "س" كذا؛ ثم بعد ذلك جرى تقسيم آخر: الوزارات السيادية: وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والنفط؛ هذه الوزارات جرى تقسيمها أيضا؛ ثم جرى تقسيم اخر: الأجهزة الأمنية الحساسة "المخابرات، الامن الوطني، مكافحة الإرهاب"؛ ثم تقسيم شمل المدراء العاميين، ثم تقسيم الهيئات المستقلة "هيئة الاتصالات، دائرة المنظمات، البنك المركزي. الخ"، وبإيجاز نستطيع القول انه جرى تقسيم كل شيء، فالأمريكان كانوا قد ضربوا الحجر وكل عرف مشربه.

هذا هو واقع العملية السياسية، الجميع يدرك ويعرف ذلك، مع هذا هناك من أراد ان يقول للناس انه يمكن ان يكون البرلمان ساحة للنضال، او ان التغيير يأتي من الداخل؛ طيب، لا بأس بذلك، لنتحقق من هذا الرأي أو الفرض مرة أخرى:

الشيوعيون والمدنيون المستقلون لم يتركوا الانتخابات، وفازوا في بعض الأحيان بمقعد او مقعدين او أكثر، الان لنسأل سؤالا: هل استطاعوا أولئك الافراد من تحقيق شيء؟ قطعا لا؛ هل استطاعوا ان يغيروا قانونا او يسنوا قانونا او يقترحوا قانونا؟ بالتأكيد لا؛ اذن ما معنى ان البرلمان يكون ساحة للنضال؟ امامنا تجربة الدورات الخمس السابقة، لم يكن للشيوعيين والمدنيين المستقلين أي تأثير يذكر، بل لنقل انهم اضافوا صبغة مدنية للبرلمان او اضافوا شرعية لهم ولديموقراطيتهم.

الإصرار على الدخول بالانتخابات من قبل الحركات الشيوعية لا تفسير له سوى انها ترسم سياسة خاطئة ولا جدوى منها، وتتمسك بالإصرار على تلك السياسة؛ أو انها تريد الحصول على بعض المنافع المادية لتديم وجودها، فهي فقيرة الحال قياسا بالقوى الإسلامية والقومية؛ لكن هذا فهم بورجوازي مقيت ويزيد من عزلة تلك الأحزاب، فضلا عن انه يقوي ويرسخ "الروح" الفردية ويعزز من الانا.

التغيير يأتي من الداخل، هذا شعار رددته قوى الثورة المضادة أيام انتفاضة أكتوبر-تشرين، خصوصا حركة امتداد التي خدعت الكثيرين، فقد هلل لها وطبل جمع كبير من المنتفضين، ثم ماذا جرى؟ اشتركت فعليا بسن القوانين الأكثر رجعية وظلامية، ولم تدافع عن مغيب واحد، ولم توقف عمليات القمع والمداهمة لبيوت الناشطين، خصوصا في عقر دار امتداد "ذي قار"، بل ان قسم من أعضائها تحول الى القوى الإسلامية، وفي الأخير هذا ما آل اليه شعار "النضال من داخل البرلمان".