ملاحظات مقتضبة على مقال الصديق رزكار عقراوي
طارق فتحي
2025 / 10 / 13 - 21:15
كتب الصديق العزيز رزكار عقراوي مقالا تعبويا إذا جاز القول، فمن خلال العنوان يستطيع المرء تلمس ذلك " اليسار العراقي عشية انتخابات 2025: بين الوحدة والتجدد"، وترك له عنوانا آخر أكثر تعبوية "كل الدعم للحزب الشيوعي العراقي والكردستاني في الانتخابات القادمة"؛ ومن خلال هذه العنوانين نستطيع معرفة ما يريد رزكار من خلال مقالته.
اللافت في هذه المقال والشيء الغريب ان رزكار وفي مقدمة مقالته يقول (نعلم جيدًا أن القوانين الانتخابية في العراق ما زالت ناقصة وتحتاج إلى إصلاحات جذرية، وأن البيئة السياسية مليئة بالمشكلات البنيوية والمال السياسي والنفوذ الطائفي والقومي وسلطة الميليشيات. لكن العراق يبقى، رغم كل ذلك، دولة من دول الشرق الأوسط، ولا يمكن مقارنته بالديمقراطيات المستقرة والمتقدمة. ومع ذلك، فإن أي مساحة محدودة من الحرية أو أي فرصة للمشاركة يجب أن تُستثمر من قبل القوى اليسارية والتقدمية لبناء حضورها والتأثير في القرار السياسي والتشريعي، وتوسيع نطاق نضالها من خلال أدوات الدولة ذاتها. فالمشاركة في الانتخابات ليست خضوعًا للواقع، وإنما محاولة لتغييره من الداخل).
هذا الكلام هو ينفي تماما ما سيأتي في المقالة كلها، فهو يعترف ان العملية السياسية "ناقصة"، وتحتاج الى "إصلاحات"، وفيها مشاكل بنيوية، ميليشيات وطائفية وقومية، بعد هذا يدعو للمشاركة، هل من الممكن ان يستقيم هذا الطرح؟ مع ان اللغة التي استخدمها رزكار مخففة جدا لوصف العملية السياسية "ناقصة" وتحتاج الى "إصلاحات"، والحقيقة ان العملية بكل تفاصيلها هي كارثية بكل معنى الكلمة، فلا شيء فيها سليم تماما، خصوصا الانتخابات.
فالانتخابات، والجميع يدرك ذلك، هي مفصلة على مقاس الإسلاميين والقوميين، وهي منذ اول انتخابات جرت 2005 والى هذه الانتخابات المزمع اجراؤها في الشهر القادم وهي تفرز نفس الوجوه وذات القوى، لم يتغير شيء ولن يتغير، بل ان الخراب يزداد أكثر مع كل انتخابات.
الشيء الأكثر غرابة في طرح رزكار هو القول ان (الحزب الشيوعي العراقي اتخذ قراره بالمشاركة في الانتخابات من خلال استفتاء داخلي شاركت فيه الرفيقات والرفاق الأعزاء من داخل الحزب، وهو قرار يعكس إرادة الأغلبية الحزبية، ويعبّر عن ممارسة ديمقراطية داخلية جماعية تستحق التقدير).
هذا الكلام غير دقيق تماما، فالحزب الشيوعي مشترك بالعملية السياسية منذ 2003، منذ مجلس الحكم، وقد اشترك بجميع تفاصيل العملية السياسية، لم يقاطع اية انتخابات جرت، فلا يحتاج الى "استفتاء داخلي"، قراره محسوم بالمشاركة في الانتخابات، بل ان جزء رئيسي من ازمة الحزب الشيوعي الداخلية هي قضية مشاركته في العملية السياسية والانتخابات والتحالفات... صحيح ان رزكار يريد دعم الحزب الشيوعي، لا بأس في ذلك، ومن حقه، لكن ليس على حساب الحقائق.
القضية الأخرى التي يثيرها مقال رزكار هو مديحه للحزب الشيوعي العمالي العراقي بسبب قراره المشاركة في الانتخابات، ولا نعلم كيف صدر هذا القرار أو كيف تم الاجماع عليه داخل الحزب؟ خصوصا وأنه متأخر جدا، اقصد ان العملية السياسية هي الان في مرحلة الشيخوخة، وهي في ذروة المقاطعة الاجتماعية، فهي باتت مكروهة جدا من قبل الناس، وتتمنى الخلاص منها بأي شكل كان، بل انهم يتمنون ان يعاد سيناريو 2003، ثم بعد هذا المسار الطويل من المقاطعة يقرر الحزب الشيوعي العمالي المشاركة! لماذا؟ ما الذي استجد في العملية السياسية جعل الحزب يرى انه آن الأوان للمشاركة؛ هل هناك قانون انتخابي جيد؟ هل هناك مفوضية مستقلة ونزيهة؟ هل هناك دعم مالي تقدمه المفوضية للقوى السياسية؟ هل القوى السياسية الموجودة تخلت عن ميليشياتها؟ هل هناك نزاهة في الانتخابات؟ هل تم منع تدخل رجال الدين في الدعاية؟ هل أوقف المال السياسي في الانتخابات؟
لنفرض ان الأحزاب اليسارية التي حسمت امرها بالمشاركة، لنتخيل انهم حققوا 20 مقعدا، وهذا رقم خيالي وغير حقيقي تماما، لكن في الخيال كل شيء وارد؛ دخلوا هؤلاء النواب اليساريين لمجلس النواب، ولنتخيل أيضا ان هناك قانون "المدونة الجعفرية"، الذي هو بالضد بشكل تام مع الطرح اليساري بكل اشكاله واطيافه؛ ما الذي يستطيع فعله هؤلاء النواب اليساريون؟ سيعترضون، نعم، وبعد، لا شيء، سيمرر القانون وستنتهي القضية، وسيكون اليساريين مشاركين في العملية السياسية وقوانينها.
رزكار يقول "الوصول للبرلمان مهم ولكن الأهم كيف نناضل من هناك"
المشكلة وكان رزكار ينسى ما يقول في بداية مقالته " لكن العراق يبقى، رغم كل ذلك، دولة من دول الشرق الأوسط، ولا يمكن مقارنته بالديمقراطيات المستقرة والمتقدمة"، بمعنى ان أي الديموقراطية هي ديموقراطية الميليشيات والسلاح، وهذه الديموقراطية هي التي نعيش في وسطها، فمجلس النواب هو بالنتيجة النهائية، وعند فهم القوى الإسلامية والقومية شكلي جدا، قوانينه تسن على أساس الصفقات وقرار قادة الكتل والميليشيات ورجال الدين، فعن أي نضال يتحدث الصديق رزكار؟
المشكلة انه لا يعطينا شكل النضال المطلوب من النواب اليسارين فعله او ممارسته، سوى بعض الترتيبات الشكلية التي لا تغني ولا تسمن من جوع " تحويله إلى منبر لطرح الأفكار والبدائل اليسارية والتقدمية".
اما قضية توحيد اليسار التي دائما ما يكررها رزكار، وهي مثلما يقول "طموح مستقبلي"، فأعتقد غير ممكنة اطلاقا، فهناك فروقات شاسعة بين طرح وآخر، والجميع متمسك بطرحه، لهذا فهذه القضية تبقى "طموح" فقط.
ان الدخول في هذه العملية السياسية هو خطأ قاتل، فهذه العملية تشوه أي قوة تتقرب منها، انها تشبه مرض "الجرب"، معدي بشكل مخيف، انها تسيء للإنسان، خصوصا المشاركة في الانتخابات، فهي الشيء الاقبح والاقذر في هذه العملية، لأنها تعيد انتاج هذه القوى الإسلامية والقومية كل أربعة أعوام، والمشاركة تعني دعم شرعية وجودهم، الافضل هو فصل القوى اليسارية عن هذه العملية السياسية القبيحة.
خالص تحياتنا وتقديرنا للرفيق والصديق العزيز رزكار عقراوي، ونتمنى له موفور الصحة والعافية.
**********************
مقال رزكار عقراوي
اليسار العراقي عشية انتخابات 2025: بين الوحدة والتجدد
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=888777