بعد وقف إطلاق النار في غزة: مسؤوليات جديدة ‏أمام الجاليات الفلسطينية في أوروبا


نظمي يوسف سلسع
2025 / 10 / 12 - 19:08     

من الميدان إلى المنفى… كيف يمكن للجاليات أن ‏تحافظ على الزخم وتحوّل التضامن إلى تأثير دائم؟

جاء إعلان وقف إطلاق النار في غزة ليمنح الفلسطينيين والعالم لحظة تنفس ‏مؤقتة، لكنّه لم يُنهِ المأساة. فالحرب تركت وراءها جروحاً عميقة، ودماراً هائلاً، وواقعاً ‏إنسانياً وسياسياً معقداً. وبينما يتجه الاهتمام الدولي نحو جهود الإعمار، يبرز دور ‏الجاليات والجمعيات الفلسطينية في أوروبا كقوة مجتمعية وسياسية قادرة على تحويل ‏التضامن الشعبي إلى فعل منظم ومستدام يخدم القضية الفلسطينية في ساحات جديدة‎.‎
دور إنساني يتجاوز الإغاثة العاجلة
خلال الحرب، لعبت الجاليات الفلسطينية في أوروبا دوراً محورياً في تنظيم ‏التظاهرات وجمع التبرعات، لكن المرحلة المقبلة تحتاج إلى رؤية أوسع من مجرد ‏الاستجابة الطارئة‎.‎‏ المطلوب اليوم هو تحويل الجهود إلى مشاريع تنموية طويلة الأمد، ‏تُسهم في إعادة إعمار غزة وتدعم صمود أهلها على الأرض. ويُعد إنشاء صناديق إغاثة ‏شفافة بالتعاون مع مؤسسات أوروبية معترف بها خطوة أساسية لضمان استمرارية الدعم ‏وتعزيز الثقة المجتمعية‎.‎
المعركة السياسية والإعلامية مستمرة
على الرغم من توقف القتال، لم تتوقف معركة الرواية. فما زال الإعلام الغربي ‏يقدّم المشهد الفلسطيني من زاوية منحازة أو مشوّهة‎.‎‏ لهذا، يقع على الجاليات الفلسطينية ‏في أوروبا واجب تكثيف حضورها الإعلامي والسياسي، من خلال التواصل الدائم مع ‏البرلمانات والبلديات ووسائل الإعلام، وتنظيم مؤتمرات ومبادرات توعوية تضع الحقيقة ‏الفلسطينية في صدارة المشهد الأوروبي‎.‎‏ كما أن بناء شبكات ضغط مدنية وتشكيل لوبيات ‏مؤثرة بات ضرورة ملحة لضمان أن يكون الصوت الفلسطيني مسموعاً في دوائر صنع ‏القرار‎.‎
الوحدة شرط القوة
رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الجمعيات الفلسطينية، إلا أن الانقسام الداخلي يظل ‏أحد أبرز التحديات‎.‎‏ المرحلة الراهنة تتطلب تجاوز الخلافات وتأسيس أطر تنسيقية موحدة ‏بين مؤسسات الجالية في أوروبا، تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات حزبية أو ‏فصائلية‎.‎‏ فالوحدة التنظيمية هي الضمانة الأساسية لاستمرار العمل وتأثيره، ولتحقيق ‏حضور قوي ومنسق على المستوى الأوروبي‎.‎
ثقافة وهوية في مواجهة الاغتراب
الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية في المهجر هو معركة موازية لا تقل أهمية ‏عن العمل السياسي‎.‎‏ ينبغي للجمعيات الفلسطينية أن تكثّف جهودها الثقافية والتربوية، عبر ‏إقامة فعاليات فنية وأمسيات أدبية، وتنظيم برامج تعليمية للأجيال الجديدة تعرّفهم ‏بتاريخهم وتراثهم ولغتهم العربية‎.‎‏ كما يمكن تعزيز التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية ‏الأوروبية لإطلاق مشاريع توثّق الرواية الفلسطينية وتواجه محاولات طمسها أو تحريفها‎.‎
تحالفات واسعة لصوت أقوى
القضية الفلسطينية وجدت صدى واسعاً في الشارع الأوروبي خلال الحرب ‏الأخيرة، وهو ما يجب البناء عليه‎.‎‏ على الجاليات الفلسطينية تعزيز تحالفاتها مع النقابات، ‏والمنظمات الكنسية، وحركات التضامن الأوروبية، إضافة إلى الجاليات العربية ‏والمسلمة، لتوسيع دائرة الدعم وتحويل التعاطف الشعبي إلى مواقف سياسية ومؤسساتية ‏ثابتة‎.‎
خاتمة
وقف إطلاق النار في غزة لا يعني نهاية المعركة، بل بداية مرحلة جديدة من الفعل ‏المنظم‎.‎‏ على الجاليات الفلسطينية في أوروبا أن تترجم التضامن إلى عمل مستدام، وأن ‏تتحول من ردّ الفعل العاطفي إلى المبادرة الواعية والاستراتيجية‎.‎‏ فاليوم، أكثر من أي ‏وقت مضى، تحتاج فلسطين إلى صوت أبنائها في المنافي، وإلى جهد منظم يحافظ على ‏حضورها في الضمير الأوروبي وفي الوعي الإنساني العالمي‎.‎