الحق في الإضراب أمام محكمة العدل الدولية: خطوة تاريخية لترسيخ العدالة الاجتماعية والديمقراطية النقابية
جهاد عقل
2025 / 10 / 12 - 12:36
لماذا يجري بحث القضية في محكمة العدل الدولية؟
افتتحت محكمة العدل الدولية جلسات استماع هذا الأسبوع لتحديد ما إذا كان الحق في الإضراب عن العمل محمياً بموجب القانون الدولي، وهي المرة الأولى التي يُطلب فيها من المحكمة إبداء رأيها في مسألة التوازن بين حقوق العمال ومصالح أصحاب العمل.
وتستمر جلسات المحكمة من يوم 6 تشرين الأول الجاري وحتى 8 منه، وتُعقد جلسات محكمة العدل الدولية بنمط "الجلسات العلنية"، وذلك للنظر في طلب الرأي الاستشاري حول الحق في الإضراب، بناءً على إحالة من مجلس إدارة منظمة العمل الدولية عام 2023.
تأتي هذه الخطوة في سياق نزاع تاريخي داخل المنظمة حول ما إذا كان الحق في الإضراب يُعتبر جزءًا من حرية التنظيم النقابي بموجب اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87. ويُنظر إلى هذه الجلسات على أنها لحظة حاسمة في مسار الدفاع عن الحقوق الأساسية للعمال والنقابات حول العالم.
الخلفية القانونية
اعتمدت منظمة العمل الدولية الاتفاقية رقم 87 عام 1948 بشأن حرية التنظيم وحماية الحق في التنظيم النقابي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتُعد حجر الزاوية في قانون العمل الدولي وأحد الأعمدة الرئيسية للحقوق النقابية.
ومنذ عقود، ثار جدل حول ما إذا كان الحق في الإضراب يُستمد مباشرة من هذه الاتفاقية. وفي عام 2023، قرر مجلس إدارة منظمة العمل الدولية إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري لحسم هذا الخلاف، وتأكيد ما إذا كان الإضراب حقًا أساسيًا محمياً دولياً.
المشاركون في الجلسات
أعربت عشرون دولة وخمس منظمات دولية عن نيتها المشاركة في الجلسات الشفوية أمام المحكمة. ومن بين أبرز المشاركين الكونفدرالية النقابية الدولية، التي ستقدم مرافعتها في اليوم الأول من الجلسات (6 أكتوبر) من الساعة 10:15 إلى 11:15 صباحًا بتوقيت وسط أوروبا.
ووفق بيان صادر عن الأمم المتحدة جاء فيه: “بدأ رئيس محكمة العدل الدولية، يوجي إيواساوا، إجراءات الجلسات يوم الاثنين بقراءة السؤال الرسمي على القضاة، مشيرًا إلى قرار منظمة العمل الدولية والسلطة الإجرائية للمحكمة. وأشار إلى "الهيكل الثلاثي لمنظمة العمل الدولية، الذي يتألف من ممثلين عن الحكومات وأصحاب العمل والعمال".
أشارت تومي كوهياما، المستشارة القانونية لمنظمة العمل الدولية، إلى أن المنظمة لم تقف أمام محكمة العدل الدولية طلبًا لرأي استشاري منذ عام 1932، مما يُبرز ندرة مثل هذه الطلبات.
وأضافت أن أمانة المنظمة لن تتخذ موقفًا بشأن هذا الموضوع، لكنها ستساعد المحكمة بتوضيح السياق المؤسسي والنهج التفسيري بموجب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.
وفي إشارة إلى الطبيعة الثلاثية لمنظمة العمل الدولية، قالت كوهياما: "إن مشاركة منظمات أصحاب العمل والعمال أمر غير مسبوق في تاريخ مؤسستكم الموقرة".
مواقف وتصريحات الأطراف
مع بداية الاستماع في المحكمة بقصر السلام في مدينة لاهاي بهولندا، وبالرغم من حالة التوازن بين الأطراف الثلاثة، أي النقابات والحكومات وأصحاب العمل، "فقد أدى هذا التوازن أحيانًا إلى طريق مسدود، لا سيما في عام 2012، عندما طعنت جماعات أصحاب العمل فيما إذا كانت الاتفاقيتان رقم 87 و98 (اتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية) تعترفان بالحق في الإضراب".
صرّح بابا دانكواه، متحدثًا باسم الاتحاد الدولي للنقابات العمالية، بأن الإضرابات تعبير دائم عن العمل الجماعي، وقال للمحكمة: "لطالما كان الإضراب أداتنا الحيوية لتحسين ظروف العمل والدفاع عن كرامتنا الإنسانية".
وقال إن الحق في الإضراب جزء لا يتجزأ من حرية تكوين النقابات، وبالتالي ينبغي الاعتراف به كحق محمي بموجب الاتفاقية رقم 87.
في المقابل، أكد روبرتو سواريز سانتوس، نيابةً عن المنظمة الدولية لأصحاب العمل، "أنه في حين أن الحق في الإضراب ليس محل اعتراض من حيث المبدأ، فإن الاتفاقية رقم 87 لا تغطي الحق في الإضراب صراحةً ولا ضمنًا".
وحذر من أن "إدماجه في الاتفاقية الآن سيفرض نظامًا إلزاميًا يحدد أشكال الإضراب، وقد يخل بأنظمة العمل الوطنية الدقيقة". وأكد أن المسار الصحيح هو التوافق داخل الهيئات الثلاثية لمنظمة العمل الدولية، وليس رفع المعايير قضائيًا من جانب واحد.
وفي تصريح للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات العمالية، لوك تريانغل، قال: "إن الحق في الإضراب يمثل حجر الزاوية في الديمقراطية الاجتماعية، قائلاً: من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يُعد الحق في الإضراب حقًا أساسيًا، ويجب الاعتراف به نهائيًا في القانون الدولي".
وأضاف: "نتطلع إلى عرض قضيتنا أمام المحكمة، لإثبات أن هذا الحق أساسي لتمكين العمال من الحصول على صفقة عادلة، وأنه يجب أن يكونوا قادرين على ممارسة الإضراب دون خوف أو قمع".
الرؤية النقابية وتحليلها للحالة
يُعد اللجوء إلى محكمة العدل الدولية خطوة تاريخية ستؤثر بعمق في مستقبل العمل النقابي العالمي. وفيما يلي تحليل لأبرز الجوانب:
أهمية الرأي الاستشاري المنتظر: سيحسم الجدل المستمر منذ عقود داخل منظمة العمل الدولية حول ما إذا كان الإضراب حقًا مشتقًا من الاتفاقية رقم 87. سيعزز الحماية القانونية للنقابات في مواجهة محاولات القمع والتجريم. سيؤثر على السياسات الوطنية للدول التي تفرض قيودًا على الإضرابات.
انعكاسات القرار المرتقب:
تعديل أو مراجعة القوانين الوطنية المقيّدة للإضراب. تعزيز مكانة المفاوضة الجماعية كأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية. تغيير مواقف أصحاب العمل في المنتديات الدولية بشأن شرعية الإضراب.
الأثر على الحركة النقابية الدولية:
توحيد الموقف النقابي العالمي حول الدفاع عن الحقوق الأساسية. دعم مطالب العقد الاجتماعي الجديد الذي تطرحه العديد من الحركات النقابية العالمية. تمكين النقابات في الجنوب العالمي من الدفاع عن عمالها دون خوف من القمع.
ضرورة مواصلة النضال النقابي للحق في الإضراب
تُعد هذه الجلسات لحظة فاصلة في تاريخ العدالة الاجتماعية والحقوق النقابية. إن صدور رأي استشاري إيجابي من محكمة العدل الدولية سيشكل نصرًا تاريخيًا للحركة النقابية العالمية.
وعليه، تؤكد الحركة النقابية ضرورة:
متابعة الجلسات والنتائج المرتقبة بشكل دقيق. بناء حملات نقابية عالمية للتوعية بالحق في الإضراب. إدراج هذا الحق ضمن السياسات والاتفاقيات الوطنية. تعزيز التنسيق بين النقابات العربية والفلسطينية والدولية للدفاع المشترك عن هذا الحق.
ومن المتوقع أن تصدر المحكمة رأيها الاستشاري في الأشهر المقبلة، وهو رأي لن يكون ملزمًا قانونًا، لكنه قد يؤثر بشكل عميق على قانون العمل الدولي والوطني.
المصادر:
بيان الاتحاد الدولي للنقابات
بيان الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية