بين الإفراط في الحداد واللامبالاة تجاه كارثة غزة: عبادة الموت ترسم الملامح الأخلاقية لإسرائيل
جدعون ليفي
2025 / 10 / 10 - 08:49
كما هو الحال في كل شيء في إسرائيل، فإن الحداد هنا ذو طابعٍ قومجي متطرف. ليس الحداد الشخصي طبعًا، بل الجماعي، الذي يكون دائمًا مفترسًا، عدوانيًا، آمِرًا للجميع بالامتثال، موحّدًا على نحوٍ مرعب، وممتدًا بلا نهاية. ستُبثّ مراسم التأبين على كل قناة تلفزيونية – وويلٌ لمن يخرج عن الصف.
وأحيانًا يكون الحداد أداة تلاعب، لا يُقصد به فقط التعبير عن مشاعر صادقة، بل أيضًا خدمة أهداف خفية. فالحِداد والفقدان هما أقرب ما يكون إلى الدين في إسرائيل، حتى بالنسبة للعلمانيين. إنها عبادةٌ للموت لا يُضاهي الإسرائيليون أحدًا في مستوى تفانيهم فيها.
ولهم بالطبع أسبابٌ وجيهة ليحزنوا جماعيًا، خاصة في العامين الماضيين، ومن حقهم أن يَحْزنوا. غير أنه يستحيل تجاهل البعد القومجي المتطرف، وأحيانًا الفاشي، في هذا الحداد. وقد بلغ هذا البعد مستوياتٍ غير مسبوقة منذ السابع من أكتوبر 2023.
على امتداد تاريخ إسرائيل، يبرز العامان الأخيران بوصفهما الأكثر حزنًا. كانت الكارثة أيضًا الأسوأ في تاريخها، لكن الغرق اللامتناهي في الحزن لم يأتِ من فراغ؛ فثمة من عمل بلا كلل لإبقاء شعلة الفاجعة مشتعلة إلى الأبد.
لقد غطّت وسائل الإعلام الإسرائيلية على خيانتها المخزية بحملة حداد مدروسة بعناية. لم يخلُ عددٌ واحد من الصحف أو نشرة أخبار تلفزيونية خلال العامين الماضيين من ذكر السابع من أكتوبر. لم يُغفل أي بثّ ذكر الفقدان، ولا أي برنامج تلفزيوني سرد بطولات "الأبطال". لكل ذلك مكانه، لكن الجرعات المحسوبة تحوّلت إلى إفراطٍ في الحِداد حتى حدّ الاشمئزاز.
كان الإسرائيليون سعداء بالاسترخاء كل مساء بين أطلال كيبوتس بئيري، والبكاء كل مساء مع كيبوتس نير عوز، والغرق في ذكريات مهرجان "نوفا". أي شيءٍ يُبعدهم عن مواجهة مخيم جباليا في قطاع غزة. كانوا راضين بسماع قصص البطولة المكررة، وبالطبع الخوف على مصير الرهائن – وهو خوفٌ حقيقي ومبرر.
لكن هذا الإفراط في الحِداد كان يهدف إلى تغطية عارنا. فإسرائيل لم ترد أن ترى غزة. من الممكن تفهّم أمّةٍ تبكي كارثتها، لكن لا يمكن قبول أمةٍ لا تتوقف عن البكاء على مصيبتها بينما تُغمض عينيها وضميرها عمّا تفعله بالآخرين. فمنذ "ذلك" السابع من أكتوبر، شهدت غزة ألف سابعٍ من أكتوبر، جميعها مروّعة بكل المقاييس. ومع ذلك، لم تجد هذه الكوارث صدىً في الخطاب الإسرائيلي. "اصمتوا – نحن في حداد. لا تزعجونا بالتفاهات."
وهذا بالضبط ما أراده الحداد الذي فرضته وسائل الإعلام: أن يكون ذريعة لتجاهل غزة. فإذا لم نتوقف عن الغرق في فاجعتنا، فلن نضطر إلى رؤية ما تفعله إسرائيل. يعرف أقطاب الإعلام – الذين يتاجرون بالعواطف – قلوب مستهلكيهم؛ فمشاهد غزة ستثير غضبهم، لذا من الأفضل تخديرهم بالغرق الدائم في ألمنا، مع التعتيم الكامل على الكارثة المروّعة في غزة، وهي من صنع أيدينا ويجب أن نخجل منها.
لقد خدم الحِداد المفروض الجميع: الإعلام، وجمهوره، والجيش الذي يرتكب جرائم الحرب، والحكومة التي تتحمّل مسؤوليتها. أصبح الخطاب الإسرائيلي أكثر قومجيةً من أي وقتٍ مضى. ففي هذا الخطاب، لا يعيش في غزة سوى عشرين رهينةٍ وجنودٌ إسرائيليون. عداهم، لا وجود لبشرٍ هناك، ولا لمعاناة.
يصعب المشاركة في حدادٍ بهذا القدر من القومية المتطرفة. من المستحيل طبعًا ألا تبكي على أطفال عائلة بيباس الذين قُتلوا، لكن كيف يمكن ألا تبكي على أطفال غزة؟ كيف يمكن أن نخاف على مصير رهائننا، بينما آلاف الأسرى الفلسطينيين يقبعون في ظروفٍ قاسية؟
صحيح أن بؤس أبناء شعبنا يأتي أولًا – هذا طبيعي في كل أمة. لكن بين الإفراط في البكاء على ضحايانا والتجاهل التام لضحايا الآخرين، تتجلى الصورة الأخلاقية لإسرائيل بوضوح: نعم، إنها تفوّقٌ يهوديّ مرةً أخرى.