المقاومة وإمكانياتها العسكرية


نهاد ابو غوش
2025 / 10 / 9 - 12:06     

نهاد أبو غوش
في إسرائيل، دائما هناك نقاشات وخلافات بين السياسيين من جهة وبين القيادات العسكرية والأمنية من جهة أخرى، وكذلك بين السياسيين أنفسهم، حول أكثر الطرق جدوى للقضاء على ما يسمونه "الإرهاب" أو عنف التنظيمات الفلسطينية. حكومات اليمين تميل دائما إلى الحلول العسكرية وحدها من دون أي أفق سياسي، بينما يرى قادة الوسط وبقايا اليسار أنه لا بد من حلول سياسية أولا قبل الحلول العسكرية، وإلى ضرورة منح الفلسطينيين أملا في المستقبل. وثمة كثير من الدراسات والتقارير الإسرائيلية المنشورة التي ترى أن كل عمليات الاغتيال والتصفية لا تؤدي إلا إلى نقل راية التنظيمات المسلحة إلى جيل أكثر شبابا وأكثر تصميما على الانتقام لقادته الذين سبقوه. لذلك إسرائيل اغتالت صفوفا تلو الصفوف من قيادات المقاومة وبخاصة قيادات حماس لكن النتيجة تؤكد عدم نجاعة اساليب الاغتيال والتصفيات، ربما الحصار الشامل وحرب الإبادة والتجويع ضد الشعب كانت أكثر تأثيرا على خيارات الفصائل ومحدودية إمكانياتها العسكرية. لكن الواقع يثبت أنها قادرة على أن تخلق من العدم وسائل للمقاومة، من الصعب توقع أو افتراض أن حماس وفصائل المقاومة سبق لها أن ادخرت اسلحة وذخائر تكفيها للقتال عامين متواصلين، ولذلك الأرجح أنها تقوم بتدوير مخلفات الجيش الإسرائيلي التي لم تنفجر، وهناك فرضيات إسرائيلية تدعي أن ثمة طرقا للتهريب ما زالت قائمة سواء من خلال الحدود المصرية وبواسطة جماعات من بدو سيناء، بل حتى بتساهل او تواطؤ من الجيش المصري، وهناك من يفترض أن عصابات تنقل اسلحة للمقاومين من مستودعات الجيش الإسرائيلي وسوق السلاح الأسود في إسرائيل.
وبحسب تقارير أمنية إسرائيلية منشورة، فإن حماس تمكنت من تجديد صفوفها بآلاف المقاتلين على الرغم من خسارتها آلاف غيرهم، يعزز ذلك المنهج الصفري الذي يوجه عمليات الجيش الإسرائيلي والذي لا يترك للفلسطينيين خيارا سوى المقاومة، أما عمليات المقاومة بحد ذاتها فمن الواضح أنها تمكنت من ابتكار وسائل واساليب من مجريات الحرب ذاتها: الخروج المفاجئ من الأنفاق ومن بين الركام، الجرأة الفردية لتعويض فارق القوة المادية الهائل، معرفة نقاط ضعف الآليات الإسرائيلية، انتظار خروج الجنود الإسرائيليين من آلياتهم، بالإضافة إلى ما راكمته المقاومة من خبرات على مدار السنوات الماضية، ومن الواضح أنها ما زالت تملك مشاغل ومخارطة لتصنيع العبوات عميقا في الأنفاق التي تقدر إسرائيل أنها بحاجة لسنوات من أجل القضاء عليها، المسألة الرئيسية التي لا تستطيع إسرائيل حسمها بالقوة العسكرية، أن حماس وغيرها من التنظيمات المسلحة ، هي وليدة أفكار وقناعات عميقةـ كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود باراكن وما دامت الأفكار راسخة وعميقة، يصبح تدبير اسلوب المقاومة نوعا من التفاصيل.
مشكلة إسرائيل في تعاطيها مع المقاومة تكمن في الافتراض بأن المقاومة هي مشكلة عارضة، أو "ظاهرة إرهابية" معزولة عن بيئتها الاجتماعية وسياقها التاريخي، هي تفترض أن المقاومة هي نتاج عقليات شريرة تضمر العداء والكراهية لليهود لمجرد كونهم يهودا. الآن كل النقاش الإسرائيلي يتركز وينحصر حول حركة (حماس) والجخاد الإسلامي، مع أن حماس كقوة عسكرية تشكلت عام 1987 ، أي بعد نحو أربعين عاما من إنشاء إسرائيل، قبلها كانت فصائل منظمة التحرير بقيادة حركة فتح تخوض الكفاح المسلح، وقبل هذه الفصائل وجدت تشكيلات فدائية ارتبطت بتنظيمات قومية، إذن المقاومة هي ظاهرة مرتبطة بوجود الاحتلال، وهي بمعى أو بآخر تعبير عن رفض الشعب الخاضع للاحتلال لوجود هذا الاحتلال يتحكم بمصيره وبمصير أبنائه، وبالتالي حتى لو قضت إسرائيل على تنظيم معين، فالواقع سوف يفرز بدائل سياسية وعسكرية تواصل الكفاح.
مسألة أخرى ترتبط بإمكانيات المقاومة ومستوى قدراتها العسكرية، قانون المقاومة يقوم على أن العنصر الرئيسي فيها هو الإرادة البشرية، قرار الأفراد الذين ينخرطون في هذا النمط من الكفاح، وبالتالي يكون بمقدور الإنسان،الفرد العادي، أن يقف وهو مسلح بأبسط الإمكانيات، في مجابهة ترسانة نووية، كل المقدرات العسكرية من أحدث الطائرات والغواصات والصواريخ العابرة للقارات وأنظمة الدفاع الجوي التي تنطلق إلى ما فوق الغلاف الجوي، ومئات آلاف الجنود الذين يجري تعبئتهمن وميزانيات بعشرات مليارات الدولارات، كل ذلك يقف عاجزا عن الوقوف في وجه شاب منفرد قرر أن يضحي بحياته من أجل التصدي لمن يحتل أرضه ويقمع شعبه