لا تبكوا على الحليب المسكوب، بل على الدم المسفوك: أجيال ستمرّ قبل أن تنسى غزة الإبادة الجماعية


جدعون ليفي
2025 / 10 / 6 - 08:01     

يحتاج المرء إلى قدرٍ استثنائي من التفاؤل كي لا يشعر بالأسى أو يُتهم بالتشاؤم حيال الاتفاق المتعلق بغزة، لكن الأمر ممكن؛ إذ إن لهذا المقترح بعض الجوانب المضيئة.
فهو ليس اتفاق سلام بين إسرائيل وغزة — وهو ما كان سيكون أفضل بالطبع — بل اتفاق فرضته الولايات المتحدة على إسرائيل. ومع ذلك، بات واضحًا منذ زمن أن الاتفاق المفروض هو وحده القادر على دفع إسرائيل نحو التغيير. ها هو قد جاء: إشارة أمل لاستمرار السياسات الأميركية القائمة على الإكراه، إذ من دونها لا يتحرك شيء.

وقف نزيف الأرواح ومعاناة الملايين
لقد تمّ إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح هذا الأسبوع. وربما تبدأ مخاوف الجوع والمرض والمعاناة التي يعيشها أكثر من مليوني إنسان في الانحسار تدريجيًا.
يوم الأحد سيكون أول ليلةٍ منذ زمن ينام فيها الناس دون تهديد القصف فوق رؤوسهم المكشوفة.
وسيُستعاد حرية مئات الأشخاص: العشرون رهينة إسرائيلية الذين ما زالوا أحياء، و250 أسيرًا فلسطينيًا محكومين بالسجن المؤبد في إسرائيل، و1,800 معتقل من غزة، معظمهم أبرياء، محتجزون داخل السجون الإسرائيلية.
نعم، في السياق نفسه يجب أن يُقال إن للمعتقلين الفلسطينيين أيضًا عائلات عاشت سنوات طويلة من القلق وعدم اليقين بشأن مصير أحبّائهم.
إنهم يستحقون الإفراج عنهم أخيرًا.
ولم يُقدَّم أي من المعتقلين الـ1,800 من غزة إلى المحاكمة — لقد جرى اختطافهم أيضًا.
ومن الأفضل ألا نقارن ظروف الاحتجاز بين الجانبين؛ فهي مروّعة في كليهما. ولهذا، فإن الإفراج عنهم جميعًا يستحق الاحتفاء — من كل الأطراف، من جميع الأسر وكل المختطفين.

عودة التوازن في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب
هذا الاتفاق يُعيد ترتيب العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل:
إسرائيل هي دولة تابعة، والولايات المتحدة هي القوة العظمى.
في السنوات الأخيرة، تلاشت هذه الحدود إلى درجة أنه، خصوصًا خلال إدارتي أوباما وبايدن، بدا أحيانًا أن إسرائيل هي الراعية وأمريكا هي المحمية.
وأخيرًا، يظهر رئيس أميركي يجرؤ على استخدام نفوذه الهائل لفرض إرادته على إسرائيل.
إن الخطوات التي فرضها دونالد ترامب مفيدة لإسرائيل، وإن كان قليلون يعترفون بذلك.

الإبادة في غزة لن تُنسى
إنهاء الحرب جيد بالطبع لغزة، لكنه جيد أيضًا لإسرائيل.
فليس الآن وقت تعداد الأضرار الهائلة التي سبّبتها الحرب لإسرائيل، بعضها لا يمكن إصلاحه.
ولن ينسى العالم قريبًا الإبادة الجماعية، كما أن أجيالًا ستمرّ قبل أن تنسى غزة ما حدث لها.
وقف الحرب الآن هو الشرّ الأقل لإسرائيل، التي تاهت عن طريقها وكانت خلال الأشهر الماضية على وشك انهيار أخلاقي واستراتيجي.
العمّ «دونالد» يُعيدها إلى حجمها الحقيقي، وربما أيضًا يضعها على مسارٍ مختلف.

حربٌ كان يمكن تجنبها
كان بإمكان إسرائيل أن تتجنب هذه الحرب، التي لم تجلب لها سوى الضرر، كما كان بإمكانها أن تُنهيها بطريقة مختلفة.
مفاوضات مباشرة مع حماس، أو بوادر حسن نية، كان يمكن أن تُغيّر مجرى الأمور.
الانسحاب الكامل من القطاع والإفراج عن جميع الأسرى كان سيُشير إلى بداية جديدة.
لكن إسرائيل — كعادتها — اختارت طريقًا آخر، تقوم فقط بما يُفرض عليها.

غزة تقف رغم الدمار
غزة — وحتى حماس — أنهت هذه الحرب وهي لا تزال واقفة:
مُنهكة، نازفة، محطّمة، فقيرة، لكنها على قدميها.
لقد أصبحت غزة هيروشيما جديدة، لكن روحها ما زالت حيّة.
لقد خرجت القضية الفلسطينية تمامًا من الأجندة الدولية؛
كانت لحظة أخرى من «السلام» مع السعودية كفيلة بأن تحوّل الفلسطينيين إلى الهنود الحمر الجدد في المنطقة.
ثم جاءت الحرب لتضعهم في صدارة الاهتمام العالمي.
العالم يُحبّهم ويشفق عليهم.
ولا عزاء لسكان غزة الذين دفعوا ثمنًا لا يُوصف — وربما ينساهم العالم مرة أخرى لاحقًا — لكنهم الآن في صدارة المشهد العالمي.

الاعتراف بالذنب ضرورة أخلاقية
ينبغي اغتنام هذه اللحظة لتغيير المزاج داخل إسرائيل.
لقد حان الوقت كي يفتح الإسرائيليون أعينهم ويروا ما اقترفت أيديهم.
ربما لا فائدة من البكاء على الحليب المسكوب، لكن الدم المسفوك مختلف.
لقد حان الوقت لفتح قطاع غزة أمام وسائل الإعلام وقول الحقيقة للإسرائيليين:
«انظروا، هذا ما فعلناه».
لقد آن الأوان لنتعلم أن الاعتماد على القوة العسكرية وحدها لا يؤدي إلا إلى الخراب.
آن الأوان لندرك أننا في الضفة الغربية نخلق غزة جديدة.
وآن الأوان لأن ننظر إلى الأمام مباشرة ونقول:
«لقد أخطأنا، لقد أسأنا، لقد تجاوزنا الحد».