أين أخطأ عبد العزيز الخيّر؟
عبدالرزاق دحنون
2025 / 10 / 1 - 12:54
إنّ مأساة عبد العزيز الخيّر، أحد أهم اليساريين في سورية، تحمل في طياتها بعداً معرفياً مذهلاً. إذ كان الرجل (نعم، كان، لأننا نجهل مصيره هو ورفاقه حتى اليوم) من أفاضل المناضلين على الساحتين الفكرية والشعبية؛ أسطورة حيّة متحرّكة، مع ذلك ذهب مع وفد من هيئة التنسيق الوطنية إلى الصين. ما الذي كان يأمل من قادة الصين؟ المهم عاد مع رفاقه من الصين، وفي طريق العودة من المطار إلى دمشق حدثت المأساة؛ اختفى مع رفيقيه (ماهر طحان وإياس عياش) على أحد حواجز المخابرات الجوية. وجاء في بيان لهيئة التنسيق الوطنية آنذاك: "عاد اليوم الخميس 21/9/2012 إلى دمشق خمسة من أعضاء وفد هيئة التنسيق الوطنية من جمهورية الصين الشعبية. وإثر مغادرتهم مطار دمشق الدولي بعد الساعة الخامسة على متن سيارتين وصلت إحداهما، فقدنا الاتصال بالسيارة الثانية التي يستقلها الدكتور عبد العزيز الخير رئيس مكتب العلاقات الخارجية في هيئة التنسيق الوطنية والأستاذ إياس عياش عضو المكتب التنفيذي للهيئة والقيادي في حركة الاشتراكيين العرب وعضو هيئة التنسيق الوطنية ماهر طحان الذي جاء مشكوراً للمطار لاصطحابهم. ولم يعد لدى الهيئة والعائلة أي اتصال معهم".
عبد العزيز الخير من مواليد مدينة القرداحة عام 1951، درس الطب البشري في جامعة دمشق وتخرّج في عام 1976. ولاحقته السلطات السورية لانتمائه لحزب العمل الشيوعي السوري، حيث بقي مُتخفيّاً عن الأنظار مدة 10 سنوات داخل سورية هرباً من الاعتقال، ثم ألقي القبض عليه أخيراً، بعد جهود مضنية من خلية أمنية خاصّة تفرّغت لسنوات من أجل اعتقاله، وحصل ذلك في بداية فبراير/شباط عام 1992، ثمّ أصدرت محكمة أمن الدولة عام 1995 حكماً بسجنه مدة 22 عاماً بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي محظور ونقل أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة. وقضى عبد العزيز الخيّر فترة الاعتقال في سجن صيدنايا العسكري، حيث مارس الطب وعالج ما يزيد على 100 ألف حالة قبل أن يتم الإفراج عنه عام 2005 جرّاء ضغوط دولية. واليوم يعتقد البعض بأنّ الدكتور عبد العزيز الخيّر قد تمّت تصفيته مع رفاقه في أحد أقبية فروع المخابرات في النظام السوري. أين أخطأ عبد العزيز الخيّر؟
أنا في العموم لا أُحبّ البكاء على الحليب المُراق، ولكن يحزن الواحد منّا لأنّ شخصية قيادية مهمّة ذهبت ضحية لأفكار وتطلّعات كان يظنّها تقود البلاد إلى الخلاص، وكان السوريون في حاجة إليه حيّاً متحرّكاً بينهم، وليس مُغيّباً في سجون النظام الأمني المتوحّش. يا للخسارة، لقد فقدناه، وفقده اليسار السوري والعربي عموماً في وقت صعب من الثورة السورية. ألم يتعظ اليسار من مأساة المناضل الكبير فرج الله الحلو في ستينيات القرن العشرين، ماذا فعل فرج الله الحلو حتى يلقى المصير المأساوي الذي غيّبه في أقبية المخابرات، بل وأُذيب جسده بالأسيد؟
عبد العزيز الخيّر كان مثل فرج الله الحلو يدفع بالتي هي أحسن، يوصل الليل بالنهار ليقدّم مع رفاق دربه رؤية لخلاص هذا الوطن المعذّب بالاستبداد والقبضة الأمنية التي خنقت البشر والشجر والحجر. هل كان يعرف ذلك؟ نعم، وكان يتعامل بمنطق إذا تسلّحت الثورة السورية خسرناها وخسرنا البلد. ولكن الثورة تسلّحت وبطيف إسلامي واسع، فماذا نفعل؟
كانت الخيارات أمام عبد العزيز الخيّر ضيقة، ولكنه كان يظنّها واسعة، لذلك تحرّك بحرية وذهب مع وفد من هيئة التنسيق إلى الصين. فهل كان يعلم عند خروجه من مطار دمشق الدولي عائداً إلى رفاق دربه بأنه مرصود، مُراقب، وقد أُعطيت الأوامر باعتقاله؟ ولكن كيف جَرْؤَ بشار الأسد على فعلها، وعبد العزيز الخيّر من بلدياته، ومن عائلة معروفة وكبيرة في القرداحة مسقط رأس حافظ الأسد؟