خطة ترامب – نتنياهو… صك غفران للإبادة وعدوان على حقوق الشعوب والعمال
جهاد عقل
2025 / 9 / 30 - 20:19
في مشهد سياسي وقح، وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليعلنا ما وصفاه بـ"خطة السلام"، لكنها في جوهرها صك غفران لجرائم الاحتلال، وتفويض مفتوح بمواصلة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وتمهيد لمشروع هيمنة أمريكية – إسرائيلية على الشرق الأوسط، تحت لافتة زائفة تُدعى "مجلس السلام”.
لكن وراء هذا المشهد السياسي، تتخفّى رؤية أعمق: رؤية طبقية استعمارية تستهدف شعوب المنطقة وطبقاتها العاملة، مثلما تستهدف في الداخل الأمريكي العمال والموظفين الفيدراليين عبر سياسات طرد جماعي، وتفكيك الضمانات الاجتماعية، وإلغاء حقوق نقابية مكتسبة منذ عقود.
خطة لتثبيت الهيمنة… وتصفية القضية الفلسطينية
لا تحمل الخطة أي مضمون للسلام الحقيقي. هي ليست إلا مشروعًا لتصفية القضية الفلسطينية، وتقويض فكرة الدولة المستقلة، وتثبيت الاحتلال كأمر واقع، وتوفير حماية سياسية وقانونية لنتنياهو من الملاحقة الدولية.
تتجاوز الخطة فلسطين إلى إعادة هندسة المنطقة سياسيًا واقتصاديًا بما يخدم المصالح الإمبريالية الأمريكية والإسرائيلية، ويُخضع الحكومات والشعوب عبر أدوات الضغط الاقتصادي والأمني، في ظل تواطؤ بعض الأنظمة العربية والإسلامية.
الوجه الطبقي للسياسة الأمريكية
ما يقدّمه ترامب للعالم كـ"خطة سلام”، يتناقض تمامًا مع نهجه الطبقي الداخلي القائم على الهجوم المنهجي على العمال والنقابات. ففي الداخل الأمريكي، يقود ترامب ومعسكره المحافظ أوسع حملة ضد الحقوق العمالية منذ عقود:
- التهديد بطرد مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين بدعوى “تطهير الجهاز الحكومي” من المعارضين.
- السعي لإلغاء التمثيل النقابي في المؤسسات العامة وتقليص صلاحيات النقابات.
- الهجوم على قوانين الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
- دعم سياسات الشركات الكبرى التي تكدّس الأرباح على حساب الأجور وظروف العمل.
إنّ من يخوض حربًا على الطبقة العاملة في بلاده، لا يمكن أن يكون صانع سلام أو حامل مشروع عدالة لشعوب العالم.
سياساته الخارجية هي الوجه الآخر لسياساته الداخلية: استعمار خارجي واستغلال داخلي، كلاهما يخدم رأس المال الكبير والمجمّع العسكري الصناعي.
خطر الخطة على الحركة النقابية العالمية
هذه الخطة، وما تمثّله من نهج، لا تهدّد الفلسطينيين وحدهم، بل تُشكّل خطرًا على الحركة النقابية العالمية التي تناضل من أجل العدالة الاجتماعية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
فالمشروع الأمريكي–الإسرائيلي الجديد يسعى إلى:
- إضعاف التضامن الأممي العمالي عبر تجريم المواقف المناصرة لفلسطين.
- تحييد النقابات من قضايا التحرر الوطني، عبر حصر دورها في القضايا المهنية الضيقة.
- فرض أجندة اقتصادية نيوليبرالية تعيد إنتاج الاستغلال والاستعباد الاقتصادي في العالم.
إنّ النقابات التقدمية مطالَبة اليوم بأن تربط نضالها الاجتماعي بالنضال الوطني التحرري، وأن تعي أن العدو واحد: الرأسمالية المتوحشة التي تُدمّر الحقوق في نيويورك كما في غزة، وتقصف العمال في فلسطين كما تفصلهم من العمل في واشنطن.
“أمير السلام” أم عدو الشعوب؟
يحاول ترامب الظهور بمظهر "أمير السلام"، لكن أفعاله تكشف أنه عدو السلام وعدو الشعوب.
من يسلّح إسرائيل، ويغذّي الحروب، ويزيد ميزانيات الجيش، ويطرد الموظفين، ويقوم بتشريع قوانين تهدف الى منع النقابات من الدفاع عن أعضائها، لا يمكن أن يكون حاملاً لمشروع سلام.
بل هو أداة في يد رأس المال والسلاح، يسعى لتفكيك كل مقاومة، سواء كانت وطنية أو طبقية.
المصير: مزبلة التاريخ
إنّ هذه الخطة، وما تمثّله من تحالف بين الاحتلال والاستغلال، ستلقى مصيرها المحتوم في مزبلة التاريخ.
فالشعوب، والنقابات، وحركات التحرر، ستواصل نضالها من أجل سلام عادل قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
والطبقة العاملة العالمية ستدرك أن الحرية لا تتجزأ: لا يمكن أن نطالب بحقوقنا النقابية في واشنطن، ونتجاهل حقوق شعب يُباد في غزة
في النهاية نؤكد ونقول:
إنّ من يتحدّث باسم السلام بينما يشنّ حربًا على العمال في الداخل، وعدوانًا على الشعوب في الخارج، لا يملك أي شرعية أخلاقية.
النضال من أجل فلسطين، والنضال من أجل العدالة الاجتماعية، هما وجهان لمعركة واحدة ضد نظام الهيمنة والاستغلال.