نتنياهو، إذا كان قتل 20,000 طفل في غزة امرا «خيرا» — فما هو الشر إذًا؟


جدعون ليفي
2025 / 9 / 29 - 02:49     

الزحف الجماعي للخروج من قاعة الأمم المتحدة كان ينبغي أن يشعر كل إسرائيلي بالخجل، ليدفعهم أخيرا إلى التساؤل: ربما فعلت إسرائيل شيئا خاطئا؟ لك بكل يقين يمكننا الافتراض أن معظم الإسرائيليين سيردون:
«إنها معاداة السامية، أيها الأغبياء»

«لم ننتهِ بعد»، صاح بصوت عالٍ، مهددًا كما يفعل زعيم مافيا تجاه شريط غزة المحتضر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كانت خاوية كما المسرح الذي عرض نفس الفيلم لأسابيع كثيرة. «لم ننتهِ بعد»، هاجم أيضا الإسرائيليين الذين يريدون منه أن يخرج من حياتهم بالفعل.
خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الجمعة أبرز مرة أخرى حقيقة أننا لم ننتهِ منه بعد، وأنه لم ينتهِ بعد من قطاع غزة ومنّا.
على الرغم من دبابيس الزينة الغريبة على صدره التي تحمل رمز QR يربط إلى صور ومقاطع فيديو لمجزرة 7 أكتوبر، والحيل الطفولية، والاختبار السريع، والخريطة ومكبرات الصوت في غزة، إلا أنه لا يزال شعبويا من الطراز الأول: سفاح جماعي، المطلوب للعدالة رقم واحد — حقيقة وجوده على المنبر في الأمم المتحدة فضيحة — رغم تظاهره بأنه ماما تيريزا.
كل من استمع إليه ولا يعرف شيئا عن ما تفعله بلاده في غزة والضفة الغربية قد يغريه الظن أن قوات الدفاع الإسرائيلية هي جيش الخلاص، وأن إسرائيل تتنافس مع اليونيسيف في مساعدة الأطفال المحتاجين، وأنه هو نفسه مؤمن يناصر طوال حياته تعاليم المهاتما غاندي. نعم، لا يزال نتنياهو يحاول ممارسة ذلك التأثير.
البداية بدت مبشرة. الزحف الجماعي للخروج من القاعة كان ينبغي أن يثير خجل كل إسرائيلي، ليدفعهم أخيرا إلى التساؤل: ربما فعلت إسرائيل شيئا خاطئا سبب كل هذا؟ لكن يمكن بيقين الافتراض أن معظم الإسرائيليين سيردون: «إنها معاداة السامية، أيها الأغبياء».
ثم تتالت بعض الحقائق: تحدث رئيس الوزراء بفخر عن كيف أن إسرائيل ضربت ودمرت وسحقت وعطلت ودمرت المنطقة المحيطة بأكملها. عشرات المرادفات للإبادة. استخدم قلمه الأسود المعتاد ليرسم علامات صح على خريطة العام الماضي، مغطياً كامل منطقة الدمار وربما ما قد يأتي أيضا. يا لها من فخامة. لم تظهر غزة. وتجاوز الضفة الغربية أيضا. ربما نسيهما.
مجموعة من المتملقين — قل عددهم هذا العام، من دون كل اليهود الأغنياء كما في السنوات السابقة — صفقوا؛ رئيس ديوان رئيس الوزراء، تساحي برافيرمان، ألقى نظرات قاسية حوله، ليتأكد من ألا يمتنع أحد عن التصفيق.
ثم جاءت الشعبوية والدعاية والأكاذيب التي لا تطاق، حتى بمعاييرِه. «أرأيتم صورة إفيتار دافيد. هزيل، مجبر على حفر قبره بنفسه». هل رأيتَ، يا رئيس الوزراء، صورة مروان البرغوثي في سجن إسرائيلي؟
هل رأيتَ الهيكل البشري، هذا الرجل الذي كان يمكن أن يجلب السلام؟ لقد حوّلتَ الخير إلى شر … والشر إلى خير، وصغتها كالوعظ بتعابير مكتوبة لتقدمها للدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطينية.
هل كنت تنوي الخير لإسرائيل، يا نتنياهو؟ كيف لم ترتعش يدك عندما كتبت هذه الكلمات؟ كيف لم يرتجف صوتك عندما قلتها؟ هل من الجيد قتل ألف طفل دون السنة من العمر و20,000 طفل إجمالاً؟ وخلق 40,000 يتيم جديد؟ محو غزة منهجيا، دون أن يبقى حجر منها على حجر؟
إن كان هذا هو «خيرك»، فما هو الشر إذًا؟ هل من الانسانية أن تتحدث عن السماح بدخول معونات تساوي 3,000 سعرة حرارية في اليوم لكل ساكن في القطاع؟ هل كان مشروعا ذكر ان زوجين شابين جميلين من السفارة الإسرائيلية في واشنطن قُتلا بالقرب من مبناها من قبل شخص مسؤول عن قتل عشرات الآلاف من الأزواج الشباب الجميلين في غزة — قتلا متواصلا لا نهاية له، حسب اعترافه الخاص؟
هل من العدل الادعاء (من دون ذكر المصدر) أن نحو 90 بالمئة من الفلسطينيين دعموا هجوم 7 أكتوبر، من دون أن تقول كم عدد الإسرائيليين اليهود الذين يؤيدون الإبادة، بعضهم بفرح وبعضهم بصمت؟ الرقم الحقيقي الوحيد الذي نقله كان أن أكثر من 90 بالمئة من المشرعين الإسرائيليين صوتوا ضد فرض دولة فلسطينية. يا له من أمر حقيقي ويا له من عار.
بلغ ذروة هذه الشعبوية الكاذبة في دفاعه عن الادعاءات بالجرائم ضد الإنسانية. هل طلب النازيون من اليهود بلطف أن يغادروا، سأل، مقارنا إسرائيل بالنازيين. حسنا، سيد نتنياهو، النازيون طردوا اليهود قبل أن تبدأ عملية الإبادة.
بين 1939 و1941 طردوا ونقلوا اليهود من ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا إلى بولندا المحتلة. تذكر خطة مدغشقر خطتكم وخطة الريفييرا التي اقترحتموها مع دونالد ترامب. الإبادة الأرمنية أيضا بدأت بعمليات ترحيل جماعي.
«لم ننتهِ بعد»، قالها رئيس وزرائنا، رئيس وزراء الجميع.