الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج4


ليث الجادر
2025 / 9 / 25 - 20:37     

البنية الطبقية للحزب: قراءة ماركسية معمقة

فهم البنية الطبقية لأي حزب سياسي لا يمكن اختزاله في المظاهر أو الإحصاءات الشكلية. لا يكفي معرفة عدد أتباعه، أو التركيب الاجتماعي لقيادته، أو شعاراته الرسمية، مهما بدت تقدميّة أو ثورية. هذه المؤشرات، رغم أهميتها السطحية، غالبًا ما تخفي تناقضات عميقة داخل البنية الاجتماعية والسياسية التي ينتمي إليها الحزب. الحزب قد يضم آلاف العمال والفلاحين، وقد يقوده أفراد من برجوازية صغيرة أو متوسطة، وقد يرفع شعارات التحرر والعدالة الاجتماعية، لكن كل ذلك يبقى واجهة خارجية إذا لم يُفحص جوهره الفكري والسياسي.

الأدبيات والفكر السياسي: معيار الجوهر الطبقي

في التحليل الماركسي، الأدبيات الفكرية والسياسية للحزب ليست مجرد نصوص نظرية، بل هي البنية التي تحدد موقع الحزب في الصراع الطبقي. من خلالها يمكن الإجابة عن أسئلة جوهرية:

1. منظور الحزب تجاه الواقع الاجتماعي: هل يفهم الصراعات من منظور الصراع الطبقي والمادية التاريخية، أم يحوّلها إلى رموز دينية أو أسطورية تخفي مصالح الطبقات المهيمنة؟

2. معالجة جذور الاستغلال: هل يتعامل مع البنية الاقتصادية والاجتماعية التي تولّد التفاوت والهيمنة، أم يكتفي بالإصلاحات الشكلية التي تحافظ على الوضع القائم؟

3. بناء وعي الطبقة العاملة: هل يسعى الحزب إلى توعية البروليتاريا بمصالحها الحقيقية ودورها في الصراع الاجتماعي، أم يساهم في إعادة إنتاج الوعي الزائف الذي يُبقي العمال أسرى الهياكل الاجتماعية القائمة؟

العلاقة بين الأيديولوجيا والهيمنة

الأيديولوجيا ليست مجرد أفكار، بل أداة لإضفاء الشرعية على الهيمنة الطبقية. الحزب الذي يغلف مواقفه بالرموز الدينية أو الأسطورية، ويستثمر الرموز التاريخية لتبرير الوضع القائم، يكشف عن انحطاطه الأيديولوجي وارتباطه البنيوي بالطبقات المحافظة أو البرجوازية الصغيرة. مهما كان تركيب الحزب الاجتماعي متنوعًا، فإن الأيديولوجيا تكشف عن موقعه الحقيقي في الصراع الطبقي.

البعد التاريخي والتحولات الديناميكية

الحزب ليس كيانًا ثابتًا؛ تحليله يجب أن يكون ديناميكيًا، يأخذ في الاعتبار التحولات التاريخية والاجتماعية والسياسية. حزب قد يبدو طبقيًا في مرحلة ما، لكنه يتحول إلى أداة لإعادة إنتاج الهيمنة إذا تغيرت تحالفاته أو خفت وعيه الطبقي. الأدبيات الفكرية والسياسية، أكثر من أي مؤشر آخر، تبقى ثابتة نسبيًا، وتكشف مدى ارتباط الحزب بالبروليتاريا أو بالطبقات المهيمنة.

أمثلة تحليلية

1. الحزب الشيوعي الروسي قبل الثورة وبعدها: أدبياته وبرامجه وخططه السياسية خدمت مصالح الطبقة العاملة، وجعلت الصراع الطبقي محور التحليل والتغيير البنيوي.

2. الحركات الدينية الشعبوية: جمعت جماهير عريضة من العمال والفلاحين لكنها حولت الصراع الاجتماعي إلى رمزي وديني، محافظة على مصالح الطبقات الوسطى والبرجوازية الصغيرة.

3. الأحزاب الاشتراكية المزيفة: رفعت شعارات العدالة الاجتماعية لكنها تجنبت معالجة جذور الاستغلال، مفضلة إصلاحات ترقيعية تحافظ على النظام القائم.

المعيار النهائي

الحزب يصبح طبقيًا بالمعنى الماركسي فقط إذا كانت أدبياته الفكرية والسياسية في الجوهر خدمة لمصالح البروليتاريا، تكشف عن فهم شامل للصراع الطبقي، وتساهم في بناء وعي جماهيري حقيقي. أي حزب يعتمد على الرموز الدينية أو الأسطورية، أو يرفع شعارات تقدميّة بلا تغيير فعلي في بنية الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية، يكون قد كشف عن انحطاطه الأيديولوجي وارتباطه بالطبقات المحافظة أو البرجوازية الصغيرة.

خلاصة

الأدبيات الفكرية والسياسية هي المرآة الحقيقية للبنية الطبقية، بينما المؤشرات الأخرى—عدد الأعضاء، التركيب الاجتماعي للقادة، الشعارات، الرموز—تبقى ثانوية، وغالبًا مجرد قناع يخفي الجوهر. التحليل الطبقي الحقيقي يبدأ حيث يبدأ الفكر السياسي، حيث تتكشف العلاقات الاجتماعية الحقيقية، وحيث يظهر الصراع بين مصالح الطبقات المتناقضة. كل قراءة طبقية يجب أن تبدأ من النص والفكر، لا من الشكل أو العدد، لأن الجوهر لا يكذب.