الاعتراف البريطاني بفلسطين: خطوة صائبة لكنها غير كافية!
                        
                        
                            
                                
                                
                        
                        
                            
                                
                                
                                
                                    منذر علي
                                
                                
                                
                                
                                
                                
                                2025 / 9 / 21 - 23:13
                                    
                                    
                        
                        
                              
                            
                            
                              
                        
                        
                        
                            
                                إنَّ اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين يمثل قرارًا سياسيًا صائبًا، جاء بعد تردد ومراوغة طويلة، وكأنه نتيجة ضغوط غير مرئية أكثر من كونه تعبيرًا عن قناعة أخلاقية أو سياسية راسخة. ورغم أنَّ هذا القرار يُعد تحولًا جريئًا وغير مألوف في السياسة البريطانية، لا يمكن أن يُنسب بالكامل إلى حكمة القيادة الحالية بقيادة كير ستارمر. بل إن هذا الاعتراف لم يكن ليحدث لولا تضافر جملة من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية التي جعلت الحكومة البريطانية أمام خِيار لا يمكنها التهرب منه.
العوامل الحاسمة وراء الاعتراف:
1. صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة
لا يمكن فهم هذا التحول البريطاني دون الإشارة إلى صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري، الذي لا نظير له في التاريخ الإنساني. إن تمسك الفلسطينيين بأرضهم ومقاومتهم لكل أشكال القمع والاحتلال هو محور هذا الحدث. لقد أثبت الشعب الفلسطيني، رُغم كل محاولات الإبادة والاقتلاع، أنه لا يزال حاضرًا على أرضه، وأن مقاومته تتجاوز حدود السلاح لتشمل وجوده ذاته، بصفته حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاوزها.
2. فاشية الحكومة الإسرائيلية وفضيحتها الأخلاقية
إنَّ حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بقيادتها الحالية التي تجاوزت كل الحدود في فاشيتها، أسقطت القناع عن الوجه الحقيقي للصهيونية العالمية. لقد تجاهلت هذه الحكومة القوانين الدولية والقيم الإنسانية، مما جعلها فضيحة علنية أمام الضمير العالمي. حتى داخل الكيان الصهيوني نفسه، وبين صفوف اليهود الشرفاء في العالم، تصاعد الغضب والاحتجاج ضد هذه السياسة العنصرية التي لم تعد قابلة للتبرير.
3. الضغط اليساري المتنامي في بريطانيا
لا يمكن إغفال دور القُوَى اليسارية البريطانية في هذا الاعتراف. السياسيون مثل جيرمي كوربن، وريتشارد بورجون، وزهرة سلطانا، وابتسام محمد، إلى جانب ناشطين إعلاميين مثل أوين جونز ورياضيين بارزين مثل غاري لينكر، أدون دورًا محوريًا في إثارة الرأي العام وحشد التأييد للقضية الفلسطينية. كما أنَّ النقابات ومنظمات المجتمع المدني كانت حاضرة بقوة، مما جعل القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الشعب البريطاني.
4. احتجاجات الشارع البريطاني
الشارع البريطاني لم يكن صامتًا أمام المشاهد المروعة للإبادة الجماعية والتجويع والتصفية العرقية التي تُمارس بحق الشعب الفلسطيني. التظاهرات واسعة النطاق، التي اجتاحت المدن البريطانية كانت بمنزلة صوت صارخ يطالب الحكومة باتخاذ موقف واضح وصريح.
5. الاحتجاجات العالمية المتزايدة
الاعتراف البريطاني لم يكن ممكنًا دون التأثير الكبير للاحتجاجات العالمية، خاصة في دول مثل إيرلندا، وإسبانيا، وروسيا، والصين، والبرازيل، وجنوب وإفريقيَا، والجزائر، واليمن ، و البرتغال، والدنمارك، والنرويج. هذه الدول، بدرجات متفاوتة، ضغطت بشكل مباشر وغير مباشر على الحكومات الغربية، لتعيد النظر في سياساتها تجاه القضية الفلسطينية.
الاعتراف وحده لا يكفي: عبء التاريخ والواجبات القادمة
ورغم أهمية هذا الاعتراف، فإنه لا يعفي بريطانيا من المسؤولية التاريخية التي تتحملها بسبب وعد بلفور المشؤوم عام 1917. ذلك الوعد الذي منح أرض فلسطين للصهيونية العالمية، وفتح الباب أمام استعمار استيطاني جاء بالمستوطنين من بولندا وألمانيا وأوكرانيا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا، وزرعهم في أرض ليست لهم.
إن هذا الاعتراف، رُغم رمزيته، لن يُغفر لبريطانيا خطيئتها التاريخية ما لم تتخذ خطوات عملية تعكس التزامًا حقيقيًا:
• وقف تسليح إسرائيل فورًا: يجب على بريطانيا أن تنهي دعمها العسكري لدولة الاحتلال التي تستخدم هذه الأسلحة لقتل الأبرياء وتهجيرهم.
• فرض عقوبات اقتصادية صارمة: يجب أن تُفرض عقوبات تُجبر إسرائيل على احترام القوانين الدولية ووقف سياساتها الإجرامية.
• محاسبة مجرمي الحرب: على بريطانيا أن تتخذ موقفًا حاسمًا بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، مثل بنيامين نتنياهو وأركان حكومته وجيشه، حين تطأ أقدامهم الأراضي البريطانية.
• دعم محكمة العدل الدولية: يجب أن تدعم بريطانيا قرارات محكمة العدل الدولية المتعلقة بجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
خاتمة: الاعتراف خطوة على الطريق، لكن الطريق طويل
إنَّ الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين هو بلا شك حدث مهم وقرار صائب، لكنه لا يكفي. إنه خطوة أولى يجب أن تتبعها خطوات أكثر جرأة ووضوحًا. فالاعتراف وحده لن يغفر لبريطانيا خطيئة وعد بلفور، ولن يُبرئها في محكمة التاريخ.
إنَّ ما يحتاجه العالم هو التزام حقيقي وملموس من بريطانيا، ليس فقط بالاعتراف، بل باتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وقانونية تعزز من حقوق الشعب الفلسطيني وتضع حدًا للإجرام الإسرائيلي.
فهل ستتحلى بريطانيا بالشجاعة اللازمة لتجاوز عبء تاريخها الاستعماري، وتتحول من مجرد معترف إلى فاعل حقيقي في نصرة العدالة؟ 
الإجابة عن هذا السؤال ليست فقط مرهونة بإرادة الحكومة البريطانية، بل بإرادة الشعوب والضمائر الحية التي ترفض الصمت أمام الظلم.
إن الاعتراف وحده مرحلة، لكنه ليس النهاية. لأن النهاية الحقيقية هي حين يتحقق التحرر الكامل لفلسطين، وحين تُعيد بريطانيا، والعالم بأسره، تعريف معنى العدالة في ضوء التاريخ والإنسانية.