أيّ حياة تنتظر ستة أطفال وُلدوا في غزّة هذا الأسبوع؟
                        
                        
                            
                            
                                
                                
                        
                        
                            
                                
                                
                                
                                    جدعون ليفي
                                
                                
                                
                                
                                
                                
                                2025 / 9 / 21 - 09:27
                                    
                                    
                        
                        
                              
                            
                            
                              
                        
                        
                        
                            
                                إنّهم من بين آخر الأطفال الذين وُلدوا في غزة خلال العام العبري الحالي، ولا يُعرف حتى ما إذا كان لكلٍّ منهم والدان على قيد الحياة.
في مستشفى الأهلي بمدينة غزة، يرقد ستة مواليد جدد، اثنان منهم على الأقل خدّج، مكتظّين في سرير واحد قبيل أيام قليلة من رأس السنة العبرية. لعلّ من الأفضل لو لم يولدوا أصلاً. هذه كلمات قاسية، لكنها واقعية.
الدكتورة ميخال فيلدون، طبيبة أطفال إسرائيلية، نشرت صورة للمواليد متراصّين معًا على "فيسبوك". وكتبت: "لا توجد كلمات لهذا، لأنه لا يوجد سبب ولا مبرر لذلك. حماس لا علاقة لها بالأمر. إسرائيل وحدها فعلت هذا. نحن فعلناه"، مؤكدة أنها تحقّقت من صحة الصورة.
يتشارك المواليد الستة سريرًا مُدفّأ واحدًا؛ لا حاضنات متوفّرة للخدّج. ينامون على ظهورهم، رؤوسهم مائلة، ساق تلامس رأسًا، كتف بجوار كتف: سرير مخصّص في الأصل لطفل واحد. جيل غزة القادم محشور مثل السردين في علبة معدنية. لقد جاؤوا إلى هذا العالم في عطلة نهاية الأسبوع، من بين آخر أطفال يولدون في غزة خلال العام العبري الحالي.
في اليوم التالي لرأس السنة، ستنشر الصحف الإسرائيلية – كما تفعل كل عام – قصصًا مؤثرة عن "أوائل المواليد" في العام الجديد. وعندما يكبر هؤلاء الأطفال، سيُريهم أهاليهم هذه الصور المؤثرة.
أما المواليد الستة الذين وُلدوا نهاية الأسبوع في غزة، فلا حاضر لهم ولا مستقبل. ليس من المؤكد أن لكلٍّ منهم والدين أحياء، والأقل يقينًا أن آباءهم سيعيشون لسنوات قادمة كي يروهم تلك الصور.
من المرجّح أن الخدّج لن ينجوا في الأيام القليلة المقبلة. أما الآخرون، فكل يوم ينتظرهم سيكون مليئًا بالمعاناة. لم تفتح عيونهم بعد، ولا يعرفون الواقع الذي وُلدوا فيه. هذه اللحظات، وهم متلاصقون في سرير المستشفى المُدفّأ، ستكون الأكثر براءة وسعادة في حياتهم. أما ما سيأتي بعدها فأسوأ بما لا يُقاس.
قد لا يعيش بعضهم حتى عيد ميلادهم الأول. فجيش الاحتلال الإسرائيلي قد يقتلهم قبل ذلك، كما فعل بالفعل مع أكثر من ألف رضيع دون سنّ العام الواحد، بحسب بيانات "أنقذوا الأطفال" نقلاً عن سلطات غزة.
البعض سينتقل مع عائلاته من خيمة إلى خيمة، تحت القصف والجوع. بعضهم سيفقد طرفًا، لينضم إلى آلاف الأطفال الذين يزحفون اليوم وسط الركام بساق واحدة أو ذراع واحدة أو أقل. آخرون سيفقدون آباءهم قريبًا.
نحو 40 ألف طفل في غزة فقدوا أحد الوالدين، وقرابة 17 ألفًا فقدوا الاثنين معًا. حياتهم ستكون أقصر بكثير من حياة الجيل السابق. فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة "لانست" الطبية أن متوسط العمر المتوقع في غزة انهار من 75.5 عامًا إلى 40.5 فقط في غضون عامين.
السنوات المقبلة ستحمل لهم معاناة لا تُطاق، جوعًا وفقراً وخوفًا. هجوم إسرائيل عليهم ما زال مستعرًا، وهو بعيد عن نهايته. وحتى لو انتهى، فلن يكون لهم مكان يضعون فيه رؤوسهم. لقد جعلت إسرائيل كل غزة مكانًا غير صالح للحياة البشرية لسنوات طويلة قادمة، كما وعدت.
لن يكون لهم بيت. المدارس وميادين اللعب أمر مستحيل. المخيمات، الأنشطة، أو النزهات العائلية خارج نطاق الخيال. من المشكوك أن يجدوا ما يكفي من الطعام. وإن مرضوا، فلن يجدوا علاجًا ولا مستشفى، بعد أن دمّرت إسرائيل معظم مستشفيات غزة.
أحلام الطفولة، ما عدا طبق حساء رقيق، لن توجد لهؤلاء الرضّع في السرير المُدفّأ. من المشكوك أن يعرفوا لحظة هدوء أو أمان واحدة في حياتهم، وسط القصف المتواصل. ومن المشكوك أن يعرفوا لحظة سعادة واحدة. فأين يمكن أن توجد مثل هذه اللحظة؟ في معسكر الاعتقال جنوب غزة، حيث ستجبرهم إسرائيل على الاكتظاظ؟ في معسكرات المجاعة في جنوب السودان، حيث يُقال إنهم سيُرحّلون إليها؟ شيخ مسنّ، رضيع في غزة – ما الذي تبقّى لهما في هذه الحياة؟
إن عاشوا، فلن ينسى المواليد الستة من السرير من الذي فعل بهم هذا، من دمّر حياتهم منذ اليوم الأول. وإن عاشوا لينجبوا أطفالًا وأحفادًا، فسيرْوون لهم ذلك.