الذرائعية إله الرأسمالية و مطيتها!


شوكت جميل
2025 / 9 / 19 - 16:32     

سؤال مشروع : (هل تملك الرأسمالية الحالية عقيدة فلسفية أو أيدلوجية تحكم سيرتها و استراتيجيتها؟)
الإجابة:
النفعية هي العقيدة الوحيدة و الإله الواحد للرأسمالية، ليس من قبيل الصدفة إذن أن تطبع الكاهنة الأعظم للرأسمالية على الدولار (في الله نثق) ...هو الله!
أتذكر شعراً لي في الليبرالية الجديدة مقابلةً مع الحاكمية الدينية:

ومضهْ
لمن يفقهْ

: إن تستبدل بالأحدِ القهارِ الأحدَ الدولارْ
، أو إن تبدل شرعَ الأديانِ قوانينَ السوقْ

سيانْ !
؛سيظل الإنسانْ
عبداً منسحقاً لا يرفعُ هامةَ تحتَ النيرينْ .
.............
فما الدليل على هذا الإدعاء؟

بداءةً، لا يمكن للمراقب أن يغض بصره أو يتجاهل ، إلا عامداً، أن الرأسمالية كائن كالقطط ذو سبعة أرواح، فمنذ أن تنبأ ماركس بأفولها و سقوطها،بعد كشفه و تحليله للصراع الطبقي،و عوامل الفناء الذاتي التي تحمله الرأسمالية في أحشائها،ما فتئت_أي الرأسمالية_ تغير جلدها مرة تلو المرة،و يمر العقد فالعقد فعقود،و هي حية ترزق يشنف أسماعنا مواؤها حيناً،و زئيرها حيناً و قد استحالت أسداً...حتى أياس الناس من هلاكها وموتها،فذهبوا إلى أنها أبدية،و منهم من كتب نهاية التاريخ،و أنها قدرنا"المحتوم"الذي لا مندوحة لنا عنه.

و الحق،إن يكن شيء قد أفاد الرأسمالية و أطال عمرها أعماراً،فليس من شيء أفادها أكثر من وعيها الكامل بالتشخيص الماركسي لشيخوختها و عللها و ضعفاتها و خطاياها،فأخذت نفسها بالمرونة و العلاج و سرقة أعضاء الآخرين!و تأجيل الصدام و تبريد الصراع الطبقي ما وجدت إلى ذلك سبيلاً،و دفعه خارج مركزها إلى أطرافها،و من ثم تنكرت بعد أن كانت دولاً سماها الماركسيون "القدامى"!الدول الإمبريالية في شكلٍ آخر هو شركات عابرة للقارات تمتلك زمام الاقتصاد العالمي،أما الفائدة الثانية التي حصلتها الرأسمالية من الفكر الماركسي،فهو حاجتها إلى فلسفة تقوم على العمل كما الحال في الماركسية،و صبغ فكرها المثالي "بالصبغة العملية"،و قد تعلمت من التجربة الماركسية كفلسفة تقوم على العمل و التنظيم،و ما حققته من بعض الازدهار في النصف الأول من القرن الماضي...و قد وجدت ضالتها في "عقيدة البرجماتزم".

و لعل أقوى ظهور للفلسفة البرجماتية كان بالولايات المتحدة الأمريكية إبان حقبة الغزو الاستعماري،و امتدت ألسنتها امتداد النار في الهشيم في أوروبا و لا سيما مع الحرب العالمية الثانية،و من اليسير تصنيف الفلسفة البرجماتية كلون فج من ألوان الفلسفات اللا أدرية،فهي ترى أن المصلحة المباشرة_أو قل الفائدة_هي أساس الحقيقة،و ليست الحقيقة هي مطابقة الواقع،و لا هي انعكاس الواقع كما ترى الماركسية،إنما هي الفائدة..الفائدة و حسب؛و لك أن تتساءل: فائدة من؟زيد أم عبيد؟فائدة البورجوازية أم البروليتاريا؟ فائدة الرأسمالي أم الأجير؟.. لا ترهق نفسك كثيراً،فالبرجماتزم لا تحفل البتة بالحقيقة،ولا بحقيقة الصراع الطبقي؛فهي تعتقد أن الحقيقة ذاتية و ليست موضوعية،تقول فلسفة البرجماتزم"(أن الاستغلال"أو الدين..أو..."موجود،فهو مفيد لبعض الناس،إذن هو حقيقي!"فهي تعلق الحقيقة بمنافع الطبقة المسيطرة و المتنفذة،و هي على كل حال تتغنى بأمجاد المكيافيلية.

و هكذا بررت مصلحة الدولة(كما يرى مكارثي)اغتيال آل روزنبرج،كما يصبح في إمكان البرجماتي الجمع بين كل المتناقضات في سلةٍ واحدة طالما كان ذلك في مصلحة رأس المال،و هذا يفضي بنا إلى عبادة"الفائدة القصوى"...أي معادل موضوعي لعبادة الله في "الفلسفة الدينية المثالية".


تقول الفلسفة االبرجماتية إنها فلسفة العمل،أقصد العمل"الناجح"و لا تحفل بالمبادئ،و شعارها الغاية تبرر الوسيلة،لا تحفل "بحقيقة"أن التوحش الرأسمالي سبب كل البلايا،و لا ترى بأساً في دمار نصف الكرة الأرضية و بؤس سكانها،في سبيل أن يزدهر النصف الآخر،و رفاهية شعبه الحقيق بها و لو على حساب دماء الآخرين.

أما فيما يتعلق بالعلم فإن البرجماتية لا تعنى كثيراً بالنظرية أو الفكر أو التنبؤ؛و إنما تدعو إلى القيام "بالتجارب"مهما كانت طبيعتها و جسامة مآلها،حتى و لو كان موضوعها شعوب الأمم الأخرى كفئران تجارب!،فإن نجحت كان به و إلا فلا..و ما الفوضى الخلاقة سوى تجلي قح لها ؛و بطبيعة الحال،هي لا تمانع ،مثلاً،في استخدام المشاريع الدينية الرجعية و تمكينها من حكم منطقة كمنطقتنا و إن أودت بشعوبها إلى الهلاك،و إن ألقت بها إلى ما قبل القرون الوسطى،و لا تمانع من استخدام الإرهاب الديني و تشجيعه لتحقيق مصالح آنية،كما فعلت مع تنظيم القاعدة لضرب المد السوفيتي،ثم إلقاء بلد كأفغانستان بشراً و شجراً و حجراً لقمة سائغة لتمضغها الوحوش على مهلٍ!،لا تمانع البرجماتية في تمزيق بلد كالعراق في سبيل الحصول على النفط بثمن أرخص،و تحقيق اهداف جيوسياسية أنانية لمد سطوتها و قمعها للمنطقة،بل و سرقة آثاره وتراثه الحضاري لأنها لا تملك تراثاً حضارياً!،ثم هي لا ترى بأساً ،بعدها، في حمل راية حقوق الإنسان و الديمقراطية إلى بعض الدول إذا كان ذلك في مصلحتها،و هذا لا يمنعها من دعم أنظمة حكم عسكرية في ناحية أخرى ،إنها قد تشن حرباً في يوغوسلافيا من أجل حقوق الإنسان لمواطني البوسنة و الهرسك،و لكنها قد تغض نظرها عن حالات أكثر وحشية كما يحدث مع أقليات الشرق الأوسط...و لا تسأل بعدها عن ضمير أو حقيقة؛فالبرجماتية لا تعرف غير الفائدة،هذه هي الحقيقة المطلقة لديها.

و على أية حالٍ،و رغم ما يقوله البعض أن الرأسمالية شبعت موتاً حتى أنتنتْ،يبدو أن ثم شيئاً تحقق مما تنبأ به ماركس،و هو أن الرأسمالية و صلت إلى مرحلة التوحش و البربرية،و إلا فما تكون البربرية إذن؟

و عوداً على بدء،نسأل هل سيمضى الحال كما هو عليه قدراً محتوماً،و قد كتبت علينا الرأسمالية...و الحق أثق في إجابة "ديكارت"على هذا السؤال،الذي يرى أن: ( التطبيق العملي يقضي على الفكرة الخاطئة و المنهج الخاطئ)...أما من يجعل الكذب"المفيد"مساويا للحقيقة فإنما هذا سيرة الانتهازي..و ستسقط البرجماتية،و الرأسمالية،و تفشلان....و حينها لن تكون الفكرة خاطئة لأنها فشلت،بل هي فشلت،لأنها خاطئة موضوعياً..و هذا نقيض المباشر للبرجماتية التي أجملها أحد أئمتها"المفكر الأمريكي تشارلس بيرس": (لمعرفة مصداقية أية فكرة،حريٌ بنا أن نفحص أولاً نتائجها العملية)،و الذي أفضى به في النهاية إلى تعريف الحقيقة بأنها: (الفائدة الآنية لتلك الفكرة)!. و لعله يجدر بنا الإشارة في هذا المقام إلى أن البرجماتزم هي الإسهام الأمريكي اليتيم الذي يعتد به في حقل الفلسفة.!

و أما النظرية الماركسية فتقول شيئا آخر:فليست الفكرة صحيحة و حقيقية لأنها نافعة و مفيدة،بل هي على العكس نافعة و مفيدة لأنها صحيحة و حقيقية،و لأنها كشفت عن حقيقة الصراع الطبقي و من ثم أمكن معرفة العلاج الناجع للمعضلة...و العلاج لا يكون سوى بزوال الرأسمالية،لا ترقيع وجهها بدماء الأبرياء،أو إدعاء أنها ماتت و انتفخت،"كحكاية الثعلب المنتفخ"ليخطف السمكة من الصياد الكادح!