اليوم العالمي للديمقراطية: تجديد الالتزام العالمي بالقيم الديمقراطية


سرود محمود شاكر
2025 / 9 / 17 - 16:20     

مقدمة

تحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي للديمقراطية في 15 سبتمبر من كل عام. يمثل هذا اليوم فرصة لتجديد الالتزام العالمي بالقيم الديمقراطية، والتأكيد على أهمية مشاركة المواطنين في صياغة مستقبل مجتمعاتهم ،فالديمقراطية ليست مجرد نظام حكم، بل هي أسلوب حياة يعتمد على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة القانون، والمشاركة الفعالة للمواطنين الديمقراطية: قوة الشعب
تستمد الديمقراطية قوتها من الناس: من أصواتهم، ومن خياراتهم، ومن مشاركتهم في صياغة ملامح مجتمعاتهم وهي تزدهر حين تُصان الحقوق، ولا سيما حقوق أولئك الذين يُتركون في العادة خارج دائرة الاهتمام. فالديمقراطية الحقيقية هي التي تضمن المساواة بين جميع المواطنين، وتتيح لهم فرصًا متكافئة للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،في ايلول 1997، تبنى الاتحاد البرلماني الدولي "الإعلان العالمي للديمقراطية" الذي يؤكد على مبادئ الديمقراطية وعناصر الحكم الديمقراطي وممارسته والنطاق الدولي للديمقراطية، ثم تطورت فكرة المؤتمر الدولي للديمقراطيات الجديدة إلى هيكل ثلاثي بمشاركة الحكومات والبرلمانات والمجتمع المدني. وبناء على اقتراح من الاتحاد البرلماني الدولي، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اختيار يوم 15 أيلول (تاريخ الإعلان العالمي للديمقراطية) ليكون اليوم الذي يحتفل فيه المجتمع الدولي كل عام باليوم الدولي للديمقراطية.، وصدر القرار باسم "دعم منظومة الأمم المتحدة للجهود التي تبذلها الحكومات لتعزيز وتوطيد الديمقراطيات الجديدة أو المستعادة"، وتم اعتماده في 8 /تشرين الثاني 2007، ليبدأ العمل به اعتبارا من ايلول 2008.

الشعار والتركيز في عام 2025: تجديد الالتزام العالمي بالقيم الديمقراطية

في عام 2025، يأتي الاحتفال بالدورة الثامنة عشرة تحت شعار "من الصوت إلى الفعل"، الذي يُنظم من قبل صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية (UNDEF)، ويُبرز كيفية تحويل المشاركة الديمقراطية إلى إجراءات ملموسة في ظل تقلص المساحة المدنية وانتشار المعلومات المضللة. يدعو هذا الشعار إلى بناء الثقة والحوار والقرارات المشتركة، مستندًا إلى مبدأ "نحن الشعوب" في ميثاق الأمم المتحدة. كما اقترح الاتحاد البرلماني الدولي شعارًا إضافيا "تحقيق المساواة بين الجنسين، خطوة بخطوة"، مع 10 إجراءات لتعزيز المساواة في ثلاث مجالات رئيسية: التمثيل السياسي، والحقوق الاقتصادية، والحماية من العنف.يتوافق هذا التركيز مع الاتفاقيات الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، الذي ينص في المادة 21 على حق كل شخص في المشاركة في الحكم العام، سواء مباشرة أو من خلال ممثلين حرين منتخبين، وفي المادة 19 على حرية الرأي والتعبير. كذلك، يدعم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) هذه القيم من خلال ضمان الحقوق الانتخابية والمشاركة السياسية (المادة 25). في سياق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، يُساهم هذا اليوم في أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف 16 الذي يهدف إلى بناء مؤسسات فعالة وشفافة وديمقراطية.


أهمية الديمقراطية

للديمقراطية أهمية كبيرة في بناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة
الاستقرار السياسي والاقتصادي: تساهم الديمقراطية في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث يمكن للمجتمع المشاركة في اتخاذ القرارات وتشكيل الحكومة بشكل شرعي
منع الاستبداد والدكتاتورية: تحمي الديمقراطية من الانزلاق إلى الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، حيث يمكن للناس التعبير عن آرائهم ومشاركة في صنع القرار
مكافحة الفساد: تقلل الديمقراطية من نسبة الفساد السياسي والإداري في الدولة
الحد من الفقر والجوع: تساهم الديمقراطية في تقليل مستويات الفقر والجوع من خلال توزيع الثروة واتخاذ قرارات اقتصادية عادلة
تعزيز التقدم: الدول الديمقراطية غالبًا ما تكون الأكثر تقدما في مختلف المجالات بسبب مشاركة المواطنين وازدهار الحريات.

إذن تهدف الديمقراطية أساسا إلى صون كرامة الفرد وحقوقه الأساسية وتعزيزها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، وتقوية تماسكه، وتعزيز الأمن الوطني، بالإضافة إلى تهيئة مناخ مؤات للسلام الدولي. والديمقراطية، كنظام للحكم، هي أفضل سبيل لتحقيق هذه الأهداف وهي أيضا النظام السياسي الوحيد القادر على تصحيح مساره
تحديات الديمقراطية في عالم اليوم

تواجه الديمقراطية اليوم تحديات كبيرة، منها
- تقلص الفضاء المدني: تضييق مساحة حرية التعبير والتجمع، وتقييد عمل منظمات المجتمع المدني.
- التضليل الإعلامي: انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، واستخدام وسائل الإعلام لتقويض الثقة في المؤسسات الديمقراطية.
- الفساد: استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية، وإضعاف المؤسسات الحكومية.
- عدم المساواة: تزايد الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، وتهميش الفئات الضعيفة في المجتمع.
- التدخلات الخارجية: تدخل الدول الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول الديمقراطية، ودعم الأنظمة الاستبدادية.
-الأزمات الاقتصادية: تفاقم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، مما يزيد من الإحباط الشعبي ويضعف الثقة في الديمقراطية.
-غياب المشاركة: تهميش وإقصاء العديد من الفئات الاجتماعية والسياسية، وعلى رأسها المرأة، من المشاركة الكاملة والحقيقية في إدارة شؤون الدولة.
مستوى التعليم: ضعف مستوى التعليم يؤثر على الوعي بالحقوق والحريات، ويقلل من المشاركة الفعالة في الحياة الوطنية.

دور الامم المتحدة في تعزيز الديمقراطية
تضطلع الأمم المتحدة بدور رئيسي في تعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم
-إذكاء الوعي: نشر الوعي بأهمية حقوق الإنسان والتنمية والسلام والأمن.
تعزيز الحوكمة الرشيدة: دعم المؤسسات الديمقراطية وتعزيز المساءلة.
مراقبة الانتخابات: ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
- دعم المجتمع المدني: تمكين منظمات المجتمع المدني وتعزيز مشاركتها في الحياة السياسية.
- صياغة الدساتير: المساعدة في صياغة دساتير جديدة في البلدان الخارجة من النزاعات.

تجديد الالتزام بالقيم الديمقراطية

في اليوم الدولي للديمقراطية 2025، يجب على المجتمع الدولي تجديد الالتزام بالقيم الديمقراطية، والعمل على تعزيزها وحمايتها في جميع أنحاء العالم ويتطلب ذلك:

حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية: ضمان حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وحماية حقوق الأقليات والفئات المهمشة، 2. تعزيز سيادة القانون: ضمان استقلال القضاء، وتطبيق القانون على قدم المساواة على الجميع 3. مكافحة الفساد: تعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية، ومحاربة الفساد بجميع أشكاله 4. تعزيز المشاركة المدنية: تشجيع المواطنين على المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتمكينهم من مساءلة صناع القرار 5. دعم التعليم: نشر الوعي بأهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التعليم المدني 6. مواجهة التضليل الإعلامي: مكافحة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وتعزيز الإعلام الحر والمستقل 7.تعزيز دور المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان العاملة وفق مبادئ باريس والحفاظ على استقلاليتها .8تعزيز التعاون الدولي: دعم الدول الديمقراطية، والعمل على حل النزاعات بالطرق السلمية
خاتمة

في اليوم الدولي للديمقراطية، لنجدد التزامنا بالعمل معا من أجل بناء عالم يسوده السلام والعدل والحرية، عالم يحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع. فالديمقراطية هي السبيل لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار للجميع.