تقرير الشركات المقوِّضة للديمقراطية 2025: الرأسمالية المقنَّعة ومعركة النقابات من أجل البقاء


جهاد عقل
2025 / 9 / 17 - 03:57     

مقدمة
في 19 أيار / مايو 2025، وبعد أيام قليلة من إعلانها عن أرباح تجاوزت مليار جنيه إسترليني والموافقة على توزيع أرباح المساهمين، أغلقت شركة NEXT مصنعها النقابي الوحيد في سريلانكا بتسريح 1416 عاملاً عبر تطبيق واتساب. كان مصنع كاتوناياكي مصنع الملابس الوحيد في البلاد الذي أبرم اتفاقية مفاوضة جماعية، وهو انتصار تاريخي لعمال اتحاد موظفي المناطق التجارية الحرة والخدمات العامة ،لدى هذه الشركة البريطانية حوالي 700 فرع في العالم وتقوم بتشغيل حوالي 48,417 موظفًا.
قيام الشركة بارسال رسائل انهاء العمل عبر تطبيق واتساب ،بالرغم من وجود اتفاقية عمل وكون العمال منظمين نقابياً، يعتر دوس من قبلها لحرية التنظيم النقابي، ودوس لحرية الإنسان وحقوقه ، بل ودوس للديمقراطية. لم تعد الديمقراطية اليوم مجرد نظام انتخابي أو مؤسسات رسمية، بل أصبحت ساحة صراع بين قوى اجتماعية واقتصادية متناقضة. في تقرير “الشركات المقوضة للديمقراطية 2025” الذي أصدره الاتحاد الدولي للنقابات العمالية من مقره في مدينة بروكسل ببلجيكا ، برزت أسماء شركات عملاقة أخرى ، مثل أمازون، ميتا، بالانتير، نورثروب غرومان، أندوريل، سبيس إكس، وفانغارد. هذه الشركات، وإن تنوعت مجالاتها بين التكنولوجيا، الفضاء، الصناعة العسكرية والمالية، إلا أنها تشترك في مسار واحد: توظيف نفوذها الاقتصادي والسياسي لإلغاء الديمقراطية وتحويلها إلى قشرة فارغة تخدم مصالح المليارديرات.

الرأسمالية المقنّعة: أرباح على حساب الإنسان

المثير في هذه الشركات أنها تقدم نفسها كـ”مبتكرين”، “قادة التكنولوجيا”، أو “مديري استثمارات العمال”، بينما هي في الحقيقة وجه جديد للرأسمالية الجشعة المقنّعة.أمازون مثلًا لا تكتفي باستغلال عمال المستودعات وظروفهم القاسية، بل أصبحت طرفًا مباشرًا في عقود عسكرية وأمنية تتجاوز المليارات، مع تجاهل ممنهج للحقوق النقابية.
ميتا ترفع شعار “ربط العالم”، لكنها تربط بيانات مليارات البشر بشبكات مراقبة عسكرية، وتفتح أبوابها لليمين المتطرف، وتغض الطرف عن خطابات الكراهية الفاشية بل والعنصرية.
نورثروب وغرومان وفانغارد يُظهران الوجه الصريح: تصنيع الأسلحة النووية، والاستثمار في شركات الموت، وتوظيف ثروات العمال في تمويل الحروب.
هنا تكمن خطورة الرأسمالية المقنّعة: فهي لا تعلن عن نفسها كقوة قمعية، بل تتدثر بخطاب التنمية والتكنولوجيا والابتكار، بينما هدفها الحقيقي هو مراكمة الأرباح بأي ثمن، ولو على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان.

الديمقراطية في أماكن العمل: خط الدفاع الأول

لا يمكن فصل الديمقراطية السياسية عن الديمقراطية النقابية والعمالية. فإذا كانت صناديق الاقتراع تعكس الإرادة الشعبية، فإن النقابات هي التي تعكس صوت العمال وإرادتهم في مواجهة سلطة رأس المال.
لكن التقرير يكشف أن هذه الشركات ترى النقابات كـ”عدو استراتيجي”:
في أمازون، تُنفق ملايين الدولارات على حملات كسر النقابات، وتفصل العمال الذين يطالبون بحقوقهم.
في نورثروب غرومان، انخفضت نسبة النقابيين من 20% في التسعينيات إلى 4% اليوم، بفعل استراتيجية واعية لتوظيف مقاولين ثانويين في ولايات معادية للنقابات.
في أندوريل وبالانتير، يُقدَّم الذكاء الاصطناعي كبديل عن اليد العاملة، ويُعلن صراحة أن “القوانين العمالية تعيق بناء آلات القتل المستقلة”.
إن الغاء الديمقراطية في مكان العمل هو مدخل لإلغائها في المجتمع ككل، والعكس صحيح: حيثما تُحترم حقوق العمال، تُحترم حقوق المواطنين.

تحالف المليارديرات واليمين المتطرف: تهديد عالمي

من الولايات المتحدة إلى البرازيل، ومن المجر إلى إيطاليا، يُظهر التقرير خيطًا مشتركًا: ارتباط هذه الشركات المباشر باليمين الشعبوي المتطرف.
- فقد موّلت “سبيس إكس” و”بالانتير” حملات ترامب وأعضاء إدارته.
- دعمت “ميتا” و”أمازون” أحزابًا يمينية في أوروبا والبرازيل.
- استثمرت “فانغارد” في شركات تتعامل مع الأنظمة العسكرية مثل ميانمار.
هذا التحالف يُعيد تشكيل النظام العالمي عبر:
- تعزيز النزعة العسكرية على حساب التنمية الاجتماعية.
- تقويض المؤسسات متعددة الأطراف كالأمم المتحدة عبر تمويل سياسات أحادية متطرفة.
- إضعاف النقابات العمالية عالميًا كجزء من مشروع لإلغاء أي مقاومة منظمة ضد رأس المال.

الخطر على الحركة النقابية

ما يميز اللحظة الحالية هو أن الخطر لم يعد اقتصاديًا بحتًا، بل وجوديًا بالنسبة للنقابات العمالية:
- إذا استمرت الشركات في خصخصة الفضاء والذكاء الاصطناعي والبيانات، فإن العمال سيجدون أنفسهم خارج معادلة القرار السياسي والاقتصادي.
- إذا تُرك أصحاب المليارديرات يحددون سياسات الطاقة والتسليح، فإن النقابات ستفقد قدرتها على حماية معيشة أعضائها.
- إذا انتصرت سياسات “اليمين المتطرف – رأس المال”، فإن حقوق التنظيم، الإضراب، والمفاوضة الجماعية ستكون أول الضحايا.

الدور النقابي المطلوب

أمام هذا المشهد، يصبح على النقابات أن ترتقي بدورها من الدفاع عن المطالب المباشرة إلى خوض معركة وجودية من أجل الديمقراطية.
- التنسيق الدولي: لا يمكن مواجهة شركات عابرة للقارات إلا بتحالف نقابي عالمي عابر للحدود.
- الربط بين القضايا: الديمقراطية، العدالة المناخية، العدالة الضريبية، وحقوق العمال ليست ملفات منفصلة، بل معركة واحدة ضد الرأسمالية المقنّعة.
- فضح خطاب الشركات: مهمة النقابات أصبحت ليست فقط التفاوض على الأجور، بل أيضًا كشف كيف تتحول هذه الشركات إلى قوى سياسية سلطوية تحت ستار “الابتكار”.
- بناء بديل ديمقراطي شعبي: النقابات قادرة أن تكون الجسر بين العمال، الحركات الاجتماعية، والمجتمع المدني لبناء جبهة مقاومة ضد هذا التحالف الخطير.

ما بين العسكرة والسياسة اليمينية المتطرفة

إن الشركات المقوِّضة للديمقراطية 2025 ليست مجرد قائمة سوداء، بل مرآة لواقع عالمي تتقاطع فيه التكنولوجيا مع العسكرة والسياسة اليمينية المتطرفة. الرأسمالية المقنّعة اليوم لا تكتفي باستخراج أرباح من العمال، بل تسعى لشراء السياسات وإعادة تشكيل الديمقراطية بما يخدم أصحاب المليارديرات.
لكن الأمل ما زال قائمًا: ما دام هناك عمال ينظمون أنفسهم، ونقابات تقاوم، وحركات اجتماعية تربط بين السلام والعدالة الاجتماعية، فإن الديمقراطية ستبقى مشروعًا حيًّا. المعركة من أجل الديمقراطية اليوم هي نفسها معركة من أجل بقاء النقابات.