المناضل المصرى الشيوعى أحمد نبيل الهلالى


حسن مدبولى
2025 / 9 / 13 - 23:20     

أحمد نبيل الهلالي الحرية لا تتجزأ ،،

في تاريخ الحركة الوطنية المصرية، برزت أسماء كثيرة ناضلت بالكلمة والموقف، لكن قلّما نجد شخصية جمعت بين الالتزام الفكري، والنبل الإنساني، مثلما فعل أحمد نبيل الهلالي، المعروف بين رفاقه وموكليه بلقب "القديس".
وُلد الهلالي في أسرة سياسية مرموقة، فهو ابن نجيب الهلالي باشا، رئيس وزراء مصر قبيل ثورة يوليو. غير أن الابن سرعان ما اختط لنفسه طريقًا مختلفًا، فاختار الانحياز إلى الفكر الماركسي، وإلى قضايا العمال والفلاحين والمهمشين. لم يغره المجد العائلي ولا الامتياز الطبقي، بل حمل قلمه ومهنته في المحاماة ليكونا سلاحين ضد الاستبداد.
فإنخرط منذ شبابه المبكر في صفوف التنظيمات الماركسية السرية، وهو ما جعله هدفًا مباشرًا لأجهزة الأمن في عهد جمال عبد الناصر. حيث تعرّض للاعتقال أكثر من مرة، وقضى سنوات طويلة بين جدران السجون والمعتقلات.
كانت تجربة السجن بالنسبة له مدرسة حقيقية؛ فقد عاش إلى جوار مئات المناضلين من اليساريين والوطنيين والاسلاميين ، فخرج أكثر صلابة وإيمانًا بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع. وفي المعتقل لم ينكسر ولم يساوم، بل ازداد قناعة بأن الاستبداد عدو مشترك لكل التيارات السياسية مهما اختلفت مرجعياتها.
أما في السبعينيات، ومع انفتاح أنور السادات على الغرب والولايات المتحدة ، وتشديد قبضته على اليسار من ناحية أخرى، لم يسلم الهلالي من الملاحقات. فتعرض للاعتقال مجددًا، لكن فترات سجنه في عهد السادات كانت أقصر بكثير مقارنةً بسنوات الاعتقال الطويلة في عهد عبد الناصر. ومع ذلك، فقد ظل الرجل ثابتًا على مواقفه، مدافعًا عن حرية الجميع، رافضًا أن ينحني للترهيب أو الإغراء.

تميّز الهلالي بمبدأ راسخ: وهو إن الحرية لا تتجزأ. فعلى الرغم من انه كان شيوعيًا حتى النخاع، لكنه لم يحصر نضاله في الدفاع عن اليساريين وحدهم. على العكس، فقد وقف في ساحات المحاكم يدافع عن الإسلاميين حين لاحقتهم أجهزة الدولة، رغم إدراكه التام لاختلاف الرؤية والمرجعيات.
وكان يردد: "أنا أدافع عن الإسلاميين لا لأنني أتفق معهم، بل لأنني لا أريد أن تُكسر عين الحرية. إن كُسرت عين الحرية فلن يسلم أحد."
هذه المقولة لم تكن مجرد شعار، بل ممارسة يومية؛ فقد ترافع في قضايا لشباب التيارات الإسلامية، مؤكدًا أن العدالة إن لم تشمل الجميع فهي عدالة زائفة.
لم يكن الهلالي ساذجًا ولا غافلاً عن الصدامات الفكرية بين اليسار والإسلاميين، لكنه كان يرى أن المعركة مع الاستبداد أهم من أي خلاف فكري. وقد كسب احترام خصومه قبل أصدقائه، إذ شهد الكثير من المعتقلين الإسلاميين بأن هذا الرجل الشيوعي كان أصدق من دافع عنهم، وأشد من تمسك بحقوقهم.

توفي أحمد نبيل الهلالي في 2006، لكنه ترك إرثًا معنويًا يتجاوز ما كتبه وما ترافع فيه من قضايا. لقد ترك سيرة إنسان نبيل عاش باسمه ولقبه، وظل وفيًا للمبدأ الذى آمن به حتى آخر لحظةقائلا مقولته الخالدة : أن الحق لا يُقاس بالاتفاق أو الاختلاف، بل بكونه حقًا يجب الدفاع عنه.

ولهذا، يظل "القديس" حاضرًا في الذاكرة الوطنية المصرية، نموذجًا للمحامي الذي لم يخن قسمه، والمفكر الذي لم يساوم على ضميره، والإنسان الذي أدرك أن الحرية حين تتجزأ لا تعتبر حرية.
#حسن_مدبولى