الشركات العابرة للقارات… عندما تصبح أقوى من الحكومات: درس من نيبال


هيثم ضمره
2025 / 9 / 11 - 03:51     

في السنوات الأخيرة تكرّرت التحذيرات من تضخّم نفوذ الشركات العابرة للقارات، خصوصًا شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي، على حساب صلاحيات الحكومات المنتخبة. هذه الشركات لم تعد تكتفي بالربح المالي، بل باتت قادرة على التأثير في الرأي العام وتوجيهه، بل وحتى الضغط على السياسات العامة من خلال تعبئة الشباب والتلاعب بخطابهم الإعلامي.

ما حدث في نيبال خلال سبتمبر 2025 يجسد هذا المشهد بوضوح. فقد حاولت الحكومة هناك تقنين عمل مواقع التواصل الاجتماعي عبر إلزامها بالتسجيل محليًا وفتح مكاتب رسمية داخل البلاد، وعندما رفضت الشركات الامتثال، فرضت الحكومة حظرًا واسعًا شمل فيسبوك وإنستاغرام ويوتيوب وواتساب وغيرها. لكن المفارقة أن القرار أشعل موجة احتجاجات عارمة قادها الشباب — جيل الـ«Gen Z» — الذين رأوا في الحظر مساسًا بحريتهم الرقمية، فتحركت جموعهم إلى الشوارع رافعة شعارات مناهضة للفساد ومطالبة بإلغاء القيود.

تطورت المظاهرات بسرعة إلى مواجهات عنيفة، أُحرقت فيها مبانٍ حكومية بارزة، واقتُحم قصر الرئيس، واستُهدف عدد من المسؤولين وأفراد أسرهم، حتى أن زوجة أحد كبار السياسيين لقيت حتفها في أعمال العنف. وفي النهاية استقال رئيس الوزراء ك. ب. ش. أولي، ورفعت الحكومة الحظر في محاولة لتهدئة الأوضاع. هكذا بدا وكأن الشركات العابرة للقارات كانت في الواقع أقوى من الدولة، ولو بصورة غير مباشرة، عبر تعبئة شعبية واسعة.

المفارقة هنا أن احترام إرادة الشعب أمر مشروع ومطلوب، لكن التعدي على قوانين الدول وحقها في تنظيم الأسواق ليس مقبولًا. فالقوانين الوطنية هي الإطار الذي يحفظ التوازن بين الحريات الفردية والمصلحة العامة. لنأخذ كندا مثالًا: لا يمكن للمقيمين فتح روابط أخبار معينة على بعض المنصات بسبب قوانين متعلقة بحقوق النشر والإعلام، ومع ذلك لا يعتبر أحد هذا القرار قمعيًا أو تعسفيًا؛ إنه ببساطة تطبيق لسيادة القانون، وعلى الشركات أن تمتثل لأنها «ضيوف» في السوق الكندية.

إذن ما الحل؟ أحد السيناريوهات أن تعمل الدول على تطوير منصات تواصل اجتماعي محلية أو تعاونيات وطنية يمتلكها المستخدمون أنفسهم، بحيث تعود أرباحها للمساهمين بدلاً من ذهابها إلى عمالقة التكنولوجيا العالميين. بهذا يمكن «قتل الوحش بأدواته»، أي مواجهة النظام الرأسمالي المتغول عبر نفس أدواته الاقتصادية والتكنولوجية، مع ضمان الشفافية وحماية الحريات في الوقت نفسه. روسيا، على سبيل المثال، طورت منصات محلية مثل VK و«تيليغرام» (رغم خصوصيتها ونقدها الحقوقي)، لكنها لم تصل بعد إلى نموذج تعاوني كامل.

الدرس الأبرز من نيبال هو أن معركة تنظيم الشركات العابرة للقارات يجب أن تُخاض بعقلانية، لا بقرارات فوقية مباغتة قد تدفع الشعوب إلى الشارع. المطلوب نظام عالمي جديد أو على الأقل نماذج وطنية بديلة تضع التكنولوجيا في خدمة المجتمعات لا العكس، وتكبح جماح الرأسمالية الرقمية من دون أن تتحول إلى أداة قمع.