الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج3


ليث الجادر
2025 / 9 / 10 - 00:11     

القيمة الواقعية والتطبيقية للرؤية الماركسية–اللينينية

تتمثل القيمة الواقعية والتطبيقية للرؤية الماركسية–اللينينية في قدرتها على تعميق الوعي الطبقي لدى القوى الشعبية والتقدمية، عبر توضيح حقيقة الصراع الدولي وعلاقته المباشرة بالصراع الطبقي العالمي. فالصراع الدولي ليس مجرد صراع بين دول، بل هو تجسيد لصراع فئوي داخل المنظومة الرأسمالية المحلية أو الوطنية، مترابط مع شبكة طبقية دولية تحكمها الرأسمالية العالمية وشركاتها وكارتلاتها. هذه الشبكة أصبحت أممية بشكل غير مباشر، تتجاوز المعنى التقليدي للوطني أو المحلي، وتمارس سيطرة غير مباشرة على طبقات مجتمعات الأطراف، مناصرةً الطبقات البرجوازية العليا.

من هنا، يصبح واضحًا أن مهمة الشعوب والقوى التقدمية لا تقتصر على النضال الطبقي المباشر داخل مجتمعاتها، بل تتطلب أيضًا منع حكوماتها وأنظمتها من الانخراط في الصراعات والمنافسات الدولية بين مراكز رأس المال، ما يحافظ على استقلالية القرارات الوطنية ويحد من الاستغلال الخارجي.

الوجه الثاني لقيمة هذه الرؤية يكمن في تشخيص التناقضات الأساسية والثانوية في النظام الدولي:

الرؤية الماركسية تكشف التناقضات الرئيسة بين الدول المهيمنة، والتي تؤدي إلى ظهور المحاور الكبرى في النظام العالمي.

كما تكشف التناقضات الثانوية داخل كل محور، والتي تتفاعل جدليًا مع التناقضات الأساسية، بحيث يمكن أن تتحول الثانوية إلى رئيسية حسب تطور المحاور الكبرى.

هذا التشخيص يفسر استدامة الصراعات والحروب والمعاضل السياسية المستمرة، طالما أن الرأسمالية تتحكم في الشأن الإنساني وتوجه مصالح النخب الاقتصادية الكبرى.
باختصار، توفر الرؤية الماركسية–اللينينية خارطة واقعية ودقيقة لفهم ديناميكية الصراع الدولي، تكشف عن جذوره الاقتصادية والطبقية، وتوجه النضال الشعبي والسياسي نحو استراتيجيات واقعية لحماية مصالح الشعوب واستقلالها، بعيدًا عن الانخراط في صراعات نخبوية دولية.

رؤى أخرى لفهم العلاقات الدولية

لا تقتصر دراسة العلاقات الدولية على المنظور الماركسي–اللينيني، بل هناك مدارس أخرى تختلف معه جذريًا:

الواقعيه :ترى أن العالم محكوم بالفوضى، والدول تبحث عن البقاء وتعظيم قوتها العسكرية. لا تعتبر الصراع الطبقي محركًا أساسيًا، بل الدولة القومية كوحدة مستقلة.

الليبرالية : تؤكد على دور المؤسسات الدولية والتعاون الاقتصادي المتبادل والديمقراطية في تقليل الصراع. تختلف عن الماركسية التي تعتبر الرأسمالية أداة للهيمنة.

البنائية : تركز على الأفكار والهويات والثقافات باعتبارها محددات رئيسية لسلوك الدول، بينما الماركسية تربط هذه الهويات بالمصالح الاقتصادية والطبقية.

مقاربات أخرى: مثل الدراسات ما بعد الاستعمارية والجيوسياسية الكلاسيكية، التي تعطي الأولوية للهيمنة الثقافية أو للموقع الجغرافي والموارد.

الخلاصة

العلاقات الدولية، في منظور الماركسية–اللينينية، ليست مجرد صراعات بين دول قومية، بل انعكاس مباشر للصراع الطبقي العالمي. القوى الكبرى تتحرك لحماية مصالح نخبها الاقتصادية، مستخدمة مفاهيم مثل "الأمن القومي" كأدوات أيديولوجية. الدول الطرفية تصبح رهينة هذا الصراع، فيما تخفي التحالفات الكبرى تناقضات داخلية كامنة قد تبرز مع تحولات موازين القوى.

مقارنة الرؤى الأخرى (الواقعية، الليبرالية، البنائية) تبيّن أن كل مدرسة تضيء جانبًا مختلفًا من الصراع: الواقعية على القوة، الليبرالية على المؤسسات، والبنائية على الهويات والأفكار، بينما الماركسية–اللينينية تظل المدرسة الوحيدة التي تربط كل هذه الديناميات بالبنية الاقتصادية والطبقية كأساس لفهم العلاقات الدولية.