الثقافة فعل مقاومة: في ذكرى استشهاد كامل شياع
صباح قدوري
2025 / 8 / 25 - 18:27
المقدمة
تمثل الذكرى السابعة عشرة لاغتيال المفكر كامل شياع لحظة تأمل في الدور الحيوي الذي يمكن أن تنهض به الثقافة في مواجهة واقع العنف والتهميش. لقد شكّل شياع نموذجاً للمثقف العضوي بالمعنى الغرامشي، الذي لم يحصر اهتمامه في التنظير الفلسفي، بل سعى إلى ربط الفكر بالممارسة الاجتماعية. من هنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن للثقافة أن تكون أداة مقاومة في وجه التهميش والعنف؟ وكيف يحافظ المثقف على صدقيته في واقع مأزوم تحكمه تناقضات السياسة والسلطة؟
الثقافة كفعل مقاومة
لا تنحصر الثقافة في إنتاج النصوص أو الفنون، بل تتجاوز ذلك لتكون فعلاً اجتماعياً يخلق فضاءً للمساءلة والنقد. ففي السياقات التي يهيمن عليها العنف، تتحول الثقافة إلى آلية مقاومة رمزية تقاوم منطق التهميش والإقصاء عبر إنتاج بدائل معرفية وقيمية. لقد أكد كامل شياع، عبر كتاباته عن “اليوتوبيا المجتمعية”، أنّ الثقافة يمكن أن تكون أفقاً لمشروع تحرري يفتح إمكانات جديدة أمام المجتمعات. فاليوتوبيا لديه لم تكن حلماً مجرداً، بل رؤية نقدية تسعى إلى تجاوز الانغلاق وإعادة الاعتبار للإنسان بوصفه محور العملية التاريخية.
المثقف بين الصدقية والواقع المأزوم
المثقف، في نظر شياع، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل فاعل يختبر قدرته على الموازنة بين المثاليات الفكرية ومتطلبات الواقع. غير أن هذه المهمة محفوفة بالمخاطر، إذ يواجه المثقف دائماً تهديدات من قوى السلطة أو مناخات العنف الاجتماعي. هنا تبرز مسألة الصدقية: كيف يمكن للمثقف أن يحافظ على نزاهته الفكرية وهو مضطر للتعامل مع تناقضات الواقع؟
الجواب يكمن في التمسك بمبدأ الاستقلالية النقدية؛ أي رفض الانخراط في لعبة الاصطفافات الضيقة، والتمسك بقيم العدالة والحرية والكرامة. لقد جسّد شياع هذا المبدأ من خلال عمله في وزارة الثقافة، حيث سعى إلى بناء مؤسسات ثقافية ديمقراطية في عراق ما بعد 2003، رغم ضغوط الانقسام السياسي والطائفي.
الثقافة واليوتوبيا: أفق للتغيير
إن استدعاء مفهوم “اليوتوبيا” لدى شياع لا يعني الانفصال عن الواقع، بل محاولة لإعادة صياغته. فالمجتمعات الخارجة من الحروب أو الخاضعة لأنظمة سلطوية تحتاج إلى خيال اجتماعي نقدي يتيح لها التفكير في بدائل أخرى. الثقافة هنا تتحول إلى ممارسة يومية تُعيد للمجتمع إيمانه بإمكانية العيش المشترك، وتفتح المجال أمام التفكير في مستقبل يتجاوز حدود العنف.
خاتمة
إن استذكار كامل شياع اليوم لا يقتصر على استعادة سيرته الشخصية، بل يطرح علينا سؤالاً وجودياً: كيف نحول الثقافة إلى مشروع مقاومة ضد كل أشكال العنف والتهميش؟ الجواب يكمن في وعي المثقف لدوره بوصفه فاعلاً نقدياً، يحافظ على صدقيته بالانحياز إلى الإنسان لا إلى السلطة، وبالتشبث بالقيم الكونية للحرية والعدالة. لقد جسّد شياع هذه الرؤية في حياته وفكره واستشهاده، ليترك إرثاً يؤكد أن الثقافة ليست ترفاً، بل هي شرط أساسي لبناء مجتمع إنساني قادر على مواجهة العنف وصناعة مستقبل بديل.
رغم غياب الراحل بقي دوماً رمزاً حياً للفخر والاعتزاز، رمزاً للصمود والتضحية في سماء الحرية، رمزاً للموت التراجيدي، وسيظل من الاسماء التي لا تنسى طالما بقي ضمير حي وذاكرة تحتضن الاحرار، سيظل حيا في قلوب كل من تعرف وعمل وعاشر الراحل، لا ننساه ابداً.