إبراهيم كايباكايا (إيبو): قائد ومنظر الماوية في تركيا
حسين أحمد
2025 / 8 / 16 - 00:58
يُعتبر إبراهيم كايباكايا (İbrahim Kaypakkaya) أحد أبرز القادة الثوريين والمنظرين في تاريخ اليسار التركي، ومؤسس الحركة الماوية في تركيا. على الرغم من حياته القصيرة، التي انتهت في سن الرابعة والعشرين، إلا أن أفكاره وكتاباته تركت بصمة عميقة على الأجيال اللاحقة من اليساريين الأتراك.
وُلِد كايباكايا في عام 1949 في قرية قاراجه، التابعة لمدينة تشوروم. نشأ في عائلة من الفلاحين التركمان، مما جعله قريباً من قضايا الطبقات الكادحة في الريف التركي. كان تفوقه الأكاديمي واضحاً منذ البداية، مما أهّله للانضمام إلى كلية الفيزياء في جامعة إسطنبول عام 1965، ثم إلى كلية الحقوق في العام التالي. كانت هذه الفترة هي بداية رحلته السياسية في الجامعات، التي كانت تعج بالحيوية الأيديولوجية.
انخرط كايباكايا في "حركة الشباب الثوري" (Dev-Genç)، حيث برز كقائد محنك وكاتب نظري. في هذه الفترة، بدأ يتبنى الفكر الماركسي-اللينيني، لكنه سرعان ما اختلف مع الاتجاهات السائدة في الحركة اليسارية التركية آنذاك، والتي كانت ترى أن الثورة يجب أن تكون من خلال "انقلاب عسكري تقدمي" أو "حرب شعبية طويلة الأمد" على الطريقة الصينية.
كانت أبرز إسهاماته النظرية هي تحليله لطبيعة الدولة التركية. في مقالاته، أكد كايباكايا على أن تركيا دولة "شبه إقطاعية وشبه مستعمرة"، وأن الثورة فيها يجب أن تكون "ثورة ديمقراطية جديدة" ضد الإمبريالية والإقطاع. كما كان من أوائل من انتقدوا الفكر الكمالي، واعتبرها أيديولوجية برجوازية، ورفض الفكرة القومية التي كان يتبناها معظم اليسار التركي، حيث أكد على حق تقرير المصير للشعب الكردي.
وصل إلى أوج نشاطه العام 1968 حين تم تعبئة مئات الآلاف في مظاهرة تاريخية ضخمة ضد زيارة الأسطول الأمريكي السادس وللتنديد بحلف الناتو ونظراً لضخامة الحدث تم اعتقال كايباكايا وتقديمه للمحاكمة لأول مرة ليقوم بتقديم مرافعة جريئة دافع فيها عن مبادئه الشيوعية الثورية وعن حق الشعب التركي في التحرر من نير الإمبريالية كما قال في مرافعته التاريخية.
بناءً على هذه الأفكار، وفي عام 1972، أسس كايباكايا "الحزب الشيوعي التركي/اللينيني-الماوي"، مع جناحه المسلح جيش تحرير العمال والفلاحين في تركيا (TIKKO). كان هدفه إقامة "حرب الشعب" في الريف، على غرار النموذج الصيني، من أجل الإطاحة بالنظام.
بدأت القوات الأمنية التركية مطاردة واسعة النطاق لأعضاء الحزب المسلح بعد تأسيسه. في يناير 1973، تعرّض كايباكايا لإصابة بالغة أثناء اشتباك مع القوات الأمنية في منطقة تونجلي. بعد إصابته، اختبأ في كهف لمدة أربعة أيام، لكنه سُلِّم للسلطات بعد أن وشى به معلم القرية.
تم نقله إلى سجن ديار بكر العسكري، حيث تعرّض لتعذيب وحشي على يد قوات الأمن. على الرغم من كل أنواع التعذيب التي تعرض لها، إلا أنه لم يفصح عن أي معلومات تتعلق برفاقه أو بالمنظمة. فقاموا بقطع أصابع قدميه ثم يديه، في كل يوم إصبعاً حتى قطعت كل أصابعه، ثم قطعوا يديه ورجليه وفقأوا عينيه ثم قطعوا رأسه، وسلموا جثته لوالده الذي دفنه دون أن يغسله؛ لاستحالة ذلك.
في 18 مايو 1973، أعلنت السلطات التركية وفاة إبراهيم كايباكايا بسبب نوبة قلبية.
كانت وفاته في عمر الرابعة والعشرين بمثابة صدمة للحركة اليسارية في تركيا آنذاك، لكنها في الوقت نفسه حولت اسمه إلى رمز للمقاومة والإصرار على المبادئ.
في عام 2000، وبعد سبعة وعشرين عاماً من اغتياله وتعذيبه تمكن مقاتلوا (TIKKO) من اغتيال المعلم الذي وشى به.
يُحتفل بذكرى كايباكايا سنوياً في 18 مايو، حيث يعتبره الكثيرون أيقونة للمناضلين ضد الفاشية والإمبريالية. على الرغم من أن حركته لم تتمكن من تحقيق أهدافها الثورية، إلا أن أفكاره التي تتناول القضايا الطبقية والقومية والدولة التركية لا تزال قيد النقاش والدراسة، مما يجعله شخصية محورية في تاريخ الفكر السياسي التركي.