توسع ميدان الصراع الرأسمالي في عصر الاقتصاد الرقمي: من الموارد إلى السيطرة الشاملة


ليث الجادر
2025 / 8 / 13 - 15:53     

مع صعود الرأسمالية الصناعية، كانت صراعاتها تتركز أساساً على السيطرة على الموارد الطبيعية والأسواق الاستهلاكية، باعتبارها شروط إنتاج وتوسع رأس المال. كان النزاع واضح الحدود نسبياً: مناطق نفط، معادن، أراض زراعية، وأسواق استهلاكية كبرى.

لكن في مرحلة الاقتصاد الرقمي، يتجاوز ميدان الصراع هذه الحدود الجغرافية والاقتصادية التقليدية، ليشمل كل شبر من الأرض التي يسكنها البشر، عبر آليات تحكم شاملة في البيانات، التواصل، الفضاء السيبراني، وحتى البنية التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء والمياه.

هذا التوسع يعني:

توسيع نطاق الصراع ليشمل التحكم في حياة الأفراد اليومية، من خلال السيطرة على هواتفهم، تفضيلاتهم، معلوماتهم الشخصية، التي تُستخدم لتوجيه سلوكهم الاقتصادي والسياسي.

تحويل الفضاءات الاجتماعية إلى ساحات صراع استراتيجية بين قوى الرأسمال الرقمي، حيث السيطرة على الفضاء الرقمي تعني السيطرة على الوعي الجمعي والتوجهات السياسية.

انكشاف هشاشة السيادة الوطنية التقليدية أمام قوى تكنولوجية وشركات عملاقة تملك أدوات تأثير لا تقاوم على المستوى المحلي والعالمي.

نتيجة لذلك، الصراع لم يعد فقط على الموارد أو الأسواق، بل على الحق في التوجيه والسيطرة الرقمية على المجتمعات، وهو صراع يتسم بالعنف الهيكلي المستتر، ويتطلب أدوات جديدة لفهم مقاومته والتعامل معه.

أمثلة واقعية لصراعات السلطة الرقمية

الخلاف الأمريكي–الصيني حول شركات التكنولوجيا: حيث تصاعدت العقوبات الأمريكية على شركات مثل هواوي ومنع تيك توك في بعض الدول، في محاولة لاحتواء النفوذ الرقمي الصيني وحماية التفوق الأمريكي في مجالات الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس. هذا الصراع يتجاوز التجارة إلى كونه تنافساً استراتيجياً على الهيمنة التقنية العالمية.

فضائح استغلال البيانات السياسية: مثل فضيحة كامبريدج أناليتيكا التي كشفت كيف استخدمت بيانات ملايين المستخدمين للتأثير على الانتخابات وصياغة الرأي العام في عدة دول، مما أظهر الدور الحاسم للبيانات كأداة للسيطرة السياسية في العصر الرقمي.

الحروب السيبرانية: حيث تستهدف هجمات القرصنة والتجسس الإلكتروني البنى التحتية الحيوية للدول والشركات الكبرى، مثل اختراقات وزارات الخارجية أو شركات النفط، في تصعيد للصراعات الرقمية التي تمتد إلى ساحات جديدة من المواجهة بين القوى العالمية.

السيطرة على الفضاء الرقمي الوطني: تظهر التجربة الصينية في فرض رقابة صارمة على الإنترنت وحجب منصات عالمية، محاولة لترسيخ السيادة الرقمية الوطنية، فيما تفرض دول غربية قواعد معقدة على شركات التكنولوجيا لضبط تأثيرها المحلي، مما يعكس صراعات على السيادة الرقمية والحدود الجديدة للسلطة.
اندماج رأس المال الرقمي والسلطة السياسية: تأثيرات عميقة على الديمقراطية والسيادة

في ظل هذا الواقع، باتت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون، جوجل، فيسبوك، ومايكروسوفت، تظهر بشكل علني وتشاركي على المسرح السياسي الأمريكي، من خلال:

تمويل الحملات الانتخابية والتأثير على السياسات العامة بما يعزز مصالحها الاقتصادية.

التواصل المباشر مع صناع القرار عبر فرق ضغط (lobbying) قوية ومتخصصة، مما يمنحها تأثيراً غير مسبوق على التشريعات المتعلقة بالتقنية والاقتصاد.

الظهور الإعلامي والسياسي عبر كبار التنفيذيين الذين أصبحوا شخصيات عامة تشارك في النقاشات حول القوانين والسياسات الوطنية والدولية.


هذا الاندماج يعكس دور شركات التكنولوجيا في:

تشكيل السياسات الرقمية العالمية، بما في ذلك قوانين الخصوصية، مكافحة الاحتكار، ومعايير الأمن السيبراني، ما يعزز هيمنتها ويحد من قدرة الحكومات على التحكم الكامل.

التأثير على حرية التعبير والرقابة، حيث تتداخل مصالح رأس المال الرقمي مع سياسات المحتوى على منصات التواصل، ما يثير تساؤلات حول توجيه الرأي العام والرقابة الخفية.

إنشاء أنظمة تنظيمية خاصة تحمي مصالحها وتمنع المنافسة، مما يشكل نوعاً من “الدولة الخاصة” الرقمية داخل الدول.

تهديد السيادة الوطنية والديمقراطية من خلال السيطرة على المعلومات والتقنيات الحيوية التي تشكل بنية النظام السياسي والاجتماعي.