2. التناقض البنيوي: لماذا تتأرجح البرجوازية الصغيرة بين الثورة والإصلاح؟


عماد حسب الرسول الطيب
2025 / 8 / 13 - 07:40     

تشغل البرجوازية الصغيرة موقعًا طبقيًا فريدًا لكنه هش داخل البنية الاجتماعية للرأسمالية، فهي لا تمتلك وسائل الإنتاج الكبرى التي تمنحها قوة البرجوازية الكبيرة، ولا تضطر في الغالب إلى بيع قوة عملها بالكامل كالبروليتاريا، بل تعتمد على ملكية فردية أو عائلية محدودة في شكل متجر، ورشة، مزرعة متوسطة، أو حتى رأس مال صغير في مشروع إلكتروني. هذه الملكية، مهما بدت مستقرة، تظل أسيرة السوق الرأسمالي وقوانينه القاسية، معرضة في أي لحظة للإفلاس أو الاندماج القسري في رأس المال الأكبر. لذلك فإن إحساسها بالاستقلال الاقتصادي يقابله في الواقع اعتماد كامل على حركة السوق، وهو ما يضعها في موضع هش، تتأرجح فيه بين الحفاظ على ما لديها والسعي إلى تحسين موقعها الاجتماعي عبر الصعود الطبقي.

يحكم وعي البرجوازية الصغيرة تناقض بنيوي دائم: الخوف من الانحدار إلى صفوف البروليتاريا، والطموح للصعود إلى مصاف الرأسماليين الكبار. الخوف يدفعها أحيانًا إلى البحث عن تحالفات مؤقتة مع الطبقة العاملة لمواجهة تهديدات رأس المال الكبير أو الاستبداد السياسي، بينما يدفعها الطموح إلى الاقتراب من البرجوازية الكبرى على أمل مشاركة جزء من امتيازاتها. هذه الجدلية بين الخوف والطموح تجعل خطابها السياسي مائلًا نحو التوفيقية، إذ ترفض القطيعة الجذرية مع النظام القائم، وتفضل البحث عن إصلاحات تحافظ على استقرارها وتمنحها هوامش أوسع من الحركة. حتى في أوقات الغليان الثوري، يميل كثير من عناصرها إلى دعم المطالب المباشرة دون الدخول في صراع شامل ضد الملكية الخاصة.

شهد التاريخ الثوري أمثلة عديدة على هذا التأرجح، ففي التجربة الروسية عام 1917، اصطفّت شرائح واسعة من البرجوازية الصغيرة إلى جانب البلاشفة في الشهور الأولى لإسقاط القيصرية، لكنها انسحبت أو انقلبت عليهم عندما طرحت البروليتاريا مسألة التأميم الجماعي للأرض والمصانع. وفي الثورة الصينية، لعبت هذه الطبقة دورًا مهمًا في الجبهة المتحدة ضد الإقطاع والاستعمار، لكن ماو تسي تونغ شدد دائمًا على أن التحالف معها مؤقت ويجب أن يبقى تحت قيادة العمال والفلاحين الفقراء، قائلًا: "إن البرجوازية الصغيرة صادقة في الثورة حين تتفق مصالحها معها، وتتراجع حين تتعارض معها". أما في أمريكا اللاتينية، فقد دعمت هذه الطبقة في تشيلي وأورغواي الحكومات اليسارية المنتخبة، لكنها تحولت لاحقًا إلى قاعدة اجتماعية للقوى اليمينية حين شعرت أن السياسات الاشتراكية تهدد أسس ملكيتها الصغيرة.

القانون العام لسلوك البرجوازية الصغيرة في الصراع الطبقي يتجسد في ارتباط مشاركتها الثورية بمصالح ظرفية، وعدم امتلاكها القدرة أو الإرادة على المضي في مشروع اشتراكي جذري إذا تجاوز حدود الحفاظ على مصالحها المباشرة. هي طبقة تميل إلى الإصلاحية حين تتعارض أهداف الثورة مع بنيتها الاقتصادية، وتلجأ إلى الشعبوية لتجنب الصراع الطبقي الحاد، ما يجعلها قوة يمكن أن تعزز النضال لفترة محدودة لكنها غير مؤهلة لقيادته نحو التغيير الجذري. هذه الطبيعة ليست مسألة نفسية أو ثقافية، بل نتاج مباشر لموقعها المادي في علاقات الإنتاج، وهو ما يجعلها عاجزة عن تمثيل نفسها إلا في إطار مؤقت داخل حركة التاريخ.

الاستنتاج الماركسي من مجمل التجارب يؤكد أن التعامل مع البرجوازية الصغيرة يجب أن يكون بمنطق الحليف الظرفي، لا الشريك الاستراتيجي. التحالف معها قد يكون ضروريًا في مراحل معينة من النضال ضد الاستبداد أو الإمبريالية، لكنه يجب أن يُدار بحذر شديد وتحت قيادة الطبقة العاملة، مع العمل الدؤوب على ربط عناصرها الأكثر راديكالية بالمشروع الاشتراكي من خلال التربية السياسية والتنظيم القاعدي، لضمان ألا يتحول التردد البنيوي لهذه الطبقة إلى أداة تعويق للمسار الثوري. وكما أشار لينين، "إن البرجوازية الصغيرة، بحكم طبيعتها، لا تستطيع أن تكون إلا تابعة، إما للبرجوازية أو للبروليتاريا، وما يحدد تبعيتها هو ميزان القوى الطبقي في لحظة معينة".

النضال مستمر،،