ثمانون عامًا على هيروشيما وناغازاكي: دعوة عالمية من أجل السلام ونزع السلاح تقودها النقابات وحركات العدالة


جهاد عقل
2025 / 8 / 6 - 11:07     

البداية
في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 صرح وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، إن أحد خيارات إسرائيل في الحرب على غزة، هو "إسقاط قنبلة نووية" على قطاع غزة الفلسطيني، منذ ذلك التصريح الذي لقي استنكاراً عالمياً ، تقوم الحكومة الإسرائيلية شن حرب على اهالي غزة ،تكاد تكون نتائجها ، من تدمير وقتل وتجويع لا تختلف عما نتائج مشابهة لما أحدثته الولايات المتحدة الأمريكية بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وفي هذه الذكرى ، جرى حراك بقيادة الحركة النقابية العالمية ومنظمات كبرى أخرى، حيث قامت بإصدار بيان تاريخي مشترك يناشد العالم وقف الحرب والجنوح الى السلام ووقف الدمار، وهنا في ذا المقال نستعرض هذه المبادرة النقابية الهامة،والتوقيع على العريضة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية.

من رماد القنبلة إلى وعد بالسلام
في السادس والتاسع من آب/أغسطس عام 1945، ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص خلال ثوانٍ، وترك مئات الآلاف الآخرين يعانون من الحروق، السرطان، والتشوهات لأجيال لاحقة. لم تكن تلك الضربات فقط أبشع جرائم الحرب في العصر الحديث، بل شكّلت أيضًا بداية عصر نووي يهدد البشرية بالفناء.
ثمانون عامًا مرّت، وما زالت شواهد الرعب النووي تحذّر العالم من تكرار الكارثة. ومع تصاعد التوترات الدولية، وسباق التسلّح، وانتشار النزعة العسكرية، أطلقت منظمات دولية كبرى نداءً مشتركًا غير مسبوق من أجل كسر هذه الدوامة: “نريد أمنًا مشتركًا مبنيًا على العدالة والسلام، لا على القنابل والصواريخ.”
في الذكرى الـ80 للقصف النووي على هيروشيما وناغازاكي،جددت الحركات النقابية والتحالفات العالمية التزامها الراسخ ببناء عالم خالٍ من السلاح النووي والحرب. ففي لحظة تاريخية من التضامن والعمل المشترك، أطلقت عشرات المنظمات، وعلى رأسها الاتحاد الدولي للنقابات العمالية ومقره مدينة بروكسل – بلجيكا ومعه عدة منظمات دولية ، نداءً عالميًا من أجل نموذج جديد للأمن والسلام، يقوم على العدالة الاجتماعية والديمقراطية وليس على الردع والتدمير.

عمدة هيروشيما يستقبل النقابات: السلام يبدأ من الناس
في قلب هذه الذكرى، استقبل عمدة هيروشيما، كازومي ماتسوي، وفدًا من ممثلي النقابات العمالية من مختلف أنحاء العالم. وخلال اللقاء، أكد ماتسوي على أهمية دور النقابات كصوت شعبي يمثل العدالة الاجتماعية، مشددًا على أن “نشاطها اليوم له معنى عميق في مواجهة عالم لا يزال يهدده منطق العنف والربح على حساب الإنسان”.
هذا التفاعل المباشر مع ضحايا الحرب النووية، وذاكرتهم الحية، أكّد مرة أخرى على ضرورة أن تتحول هيروشيما من رمز للدمار إلى نقطة انطلاق نحو التغيير العالمي.

النداء التاريخي: السلام قبل الربح، الديمقراطية قبل الدمار
البيان المشترك الصادر عن التحالف الدولي في 6 آب/أغسطس 2025، حمل عنوانًا واضحًا:
“يجب أن نُعلي السلام على الربح، والديمقراطية على التدمير”، وحذر من “الانقلاب العالمي الذي يقوده المليارديرات”، والذي يقوّض الديمقراطية، ويعزز العسكرة، ويُعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وقد أكد الأمين العام للإتحاد الدولي للنقابات العمالية ، لوك تريانغل، أن هذه اللحظة الحرجة تتطلب تغييرًا في الأولويات:
"حفنة من المليارديرات والقوى اليمينية المتطرفة تستولي على الديمقراطية، وتُضخّ الأموال العامة في سباق التسلح، بدلاً من الرعاية الصحية والتعليم أو ايجاد حلول لأزمة المناخ. هذا الإعلان المشترك التاريخي هو بمثابة جرس إنذار ودعوة للعمل. يجب على الحكومات الالتزام فورًا بالسلام والعدالة والكرامة للجميع. يطالب العمال بعالم قائم على الديمقراطية والاستدامة والرخاء المشترك".

المطالب الرئيسية للبيان المشترك :
* المصادقة الشاملة على معاهدة حظر الأسلحة النووية، ونزع السلاح النووي الكامل..
* إصلاحات ضريبية عادلة عالميًا، بما يشمل اتفاقية أممية ملزمة.
* ضمان الأجر المعيشي والعمل اللائق وحقوق العمال ودعم التنظيم النقابي.
* خفض الإنفاق العسكري عالميًا وتوجيهه نحو الصحة والتعليم والعمل المناخي.
* إنشاء هيئة أممية للانتقال العادل من الاقتصاد العسكري إلى الاقتصاد المستدام.
* توسيع أنظمة الحماية الاجتماعية، خصوصًا للفئات المهمشة.
* دمج نزع السلاح والاستدامة في خطط المناخ الوطنية، والحد من البصمة الكربونية للجيش.

أرقام صادمة من البيان:
في عام 2024، كانت ثروات أغنى 1% تفوق ما يملكه 95% من سكان العالم.
الإنفاق العسكري العالمي بلغ رقمًا قياسيًا: 2.7 تريليون دولار.
أكثر من 100 مليون شخص نزحوا بسبب الحروب والاضطهاد.
القوات المسلحة العالمية تُمثل رابع أكبر مصدر لانبعاثات الكربون.
لقد نزح أكثر من 100 مليون شخص حول العالم بسبب الصراعات أو الاضطهاد.

من النقابات إلى العالم: نحو عقد اجتماعي جديد
في ختام البيان، وُجهت الدعوة الى الحكومات المجتمعة في القمة الاجتماعية الأممية القادمة، وأيضًا إلى مجموعة العشرين (G20)، لدمج مبادئ السلام، العدالة الاجتماعية، والتحول الاقتصادي في سياساتهم، والتخلي عن منطق التسلح والعسكرة لصالح تنمية البشر والكوكب.
نعم من هيروشيما، تنبع مجددًا صرخة الضمير الإنساني: لا مزيد من هيروشيمات، لا مزيد من ناغازاكيات.
بفضل النقابات والتحالفات الشعبية العالمية، تتحول الذكرى من مجرد إحياء للمأساة، إلى تحرك سياسي ومجتمعي شامل يدعو إلى عالمٍ أكثر أمنًا، وعدلًا، وإنسانية.