25. تحالف القامعين: كيف تواطأت قوى الهبوط الناعم مع قانون قمع المهنيين
عماد حسب الرسول الطيب
2025 / 8 / 3 - 00:56
حين صمتت القوى التي تزعم تمثيل الثورة أمام قانون تنظيمات العمل المهني لعام 2004، كانت تمارس خيانة طبقية صريحة. هذا القانون، الذي تأسس كأداة بوليسية لضبط التنظيمات المهنية، لم يُطرح قط كقضية نضالية جادة داخل ما يُسمى بـ"تجمع المهنيين"، ولم يُرفع كشعار في أي من مراحل التفاوض، ولم يُفتح كملف داخل برلمانات الهبوط الناعم، ولم يُستخدم كمعيار سياسي للتمايز. قُبل وجوده كأمر واقع، وتماهت معه قوى الحكم الانتقالي، وقوى الأحزاب "الثورية"، بل واستندت إليه فعليًا في صياغة علاقاتها بالتنظيمات المهنية، وتحديد شرعية التمثيل.
قانون 2004، بوصفه القانون الذي أجهز على أي إمكانية لتنظيم طبقي مستقل، لم يُعامل كعدو من قبل هذه القوى. لم تطالب بإلغائه، لم تضعه على أجندة إصلاحاتها، لم تقدّم عنه أي خطاب فضحي، ولم تُصعّد ضده أي حركة جماهيرية. كل هذا الصمت لم يكن سهوًا، بل كان تعبيرًا عن تموضعها الطبقي. فحين يتحول التنظيم المهني في وعي النخبة السياسية إلى آلية تمثيل إداري لا إلى أداة نضال جماهيري، يصبح قانون القمع مقبولًا بل ضروريًا. هذا التواطؤ لم يكن مجرد إغفال، بل كان جزءًا من المشروع السياسي لقوى الهبوط الناعم، التي سعت دومًا إلى احتواء التنظيمات لا تحريرها.
هذا التواطؤ لم يكن فقط سياسياً، بل كان اقتصادياً في جوهره. فحكومات الهبوط الناعم، التي تبنت أجندات المؤسسات المالية الدولية، رأت في التنظيمات البيروقراطية المدجنة أداة مثالية لتنفيذ مشروعها النيوليبرالي. إنها تحتاج إلى هياكل لا تقاوم الخصخصة، ولا تُطالب برفع الأجور، ولا تعترض على تآكل الحقوق المهنية. بل تحتاج إلى شريك يوقع على اتفاقيات السلام الاجتماعي، ويشارك في "حوارات" زائفة، ويقبل بتفكيك القطاع العام باسم "الإصلاح الاقتصادي". التنظيمات المفروضة عبر قانون 2004 هي بالضبط هذه الأداة: أجهزة إدارية، لا قوى طبقية، يمكن توظيفها في خدمة مشروع رأس المال، وتمرير سياسات الفقر والتهميش على ظهور الكادحين.
التجمع نفسه، الذي بدأ كجسم نضالي، تحوّل سريعًا إلى موقع تفاوضي على حصص السلطة، وجرى تدجينه داخل البنية المؤسسية التي ينتمي لها القانون ذاته. لم يعد قانون 2004 يُرى كعدو، بل كإطار قانوني ضروري لتنظيم "العملية الديمقراطية". لم تكن القضية أبدًا هي التحرر الطبقي، بل تنظيم الصراع بما لا يُهدد مصالح الفئات الوسطى التي تتصدر هذه الكيانات. التنظيم القاعدي المستقل لم يكن واردًا في أي لحظة من لحظات خيالهم السياسي، لأنهم أنفسهم لا يثقون بالقاعدة، بل ينظرون إليها ككتلة غير ناضجة تحتاج إلى وصاية النخبة.
حين صعدت حكومة الهبوط الناعم إلى السلطة، لم تُبد أي نية لإلغاء القانون. لم تُشكل لجنة لمراجعته، لم تُدخل بندًا في الوثيقة الدستورية ينص على تفكيك جهاز السيطرة المهنية، ولم تُبد حتى موقفًا إعلاميًا ينتقد محتواه. القبول بالقانون كان جزءًا من الصفقة. فكل من يسعى إلى استقرار الدولة البرجوازية لا يستطيع أن يسمح بولادة تنظيمات مهنية قاعدية فعلية، لأنها تعني تهديدًا مباشرًا للبنية الطبقية التي يريد الحفاظ عليها. هذه الحكومة، ككل حكومة انتقال برجوازي، تحتاج إلى تنظيمات مهنية مؤدبة، مدجّنة، قابلة للتطويع والدمج في مشروعها النيوليبرالي. والتنظيم المستقل لا مكان له في هذا التصور.
حتى منظمات "المجتمع المدني"، التي رفعت شعارات الديمقراطية والتمكين، لم تُظهر أدنى اهتمام بهذا القانون. لم يُدرج في تقاريرها، لم يُفضح في ندواتها، لم يُطرح كأولوية. لأنها، في نهاية المطاف، تنتمي إلى نفس البنية الطبقية التي ترى في التنظيم القاعدي خطرًا على تماسك "الانتقال الديمقراطي". هي لا ترى في التنظيم المهني سوى شريك في الحوكمة، لا أداة تحرر طبقي.
القضية اليوم لم تعد فقط في وجود قانون قمعي، بل في وجود تحالف سياسي صامت حوله. هذا التحالف يمتد من المسجل العام، إلى الأحزاب "الثورية"، إلى الحكومات الانتقالية، إلى منظمات المجتمع المدني، إلى أقسام من تجمع المهنيين ذاته. الجميع تواضع ضمنًا على إبقاء هذا القانون كما هو، وتجنبوا كسره، لأن كسره يعني فتح الباب للوعي الطبقي، وهذا وحده ما لا يريدونه.
هذا التحالف الطبقي، الذي تلبّس عباءة الثورة، لا يمكن أن يُصلح التنظيمات لأنه لا يريدها أدوات نضال. من يصمت على قانون 2004 لا يختلف جوهريًا عن من صاغه. ومن لا يجرؤ على فضحه، لا يملك أن يتحدّث باسم الجماهير. الصراع هنا لم يعد بين "ثوار" و"نظام قديم"، بل بين الجماهير التي تريد أدوات تحرر، وبين نخب تريد أدوات ضبط. لهذا، فإن الموقف من قانون تنظيمات العمل المهني هو معيار فرز طبقي وسياسي، لا مجرد قضية قانونية.
"من لا يريد كسر أدوات القمع، سيستخدمها حين يملك السلطة"
روزا لوكسمبورغ
النضال مستمر،،