الإسلام السياسي : أسلمة الرأسماليه


ليث الجادر
2025 / 7 / 30 - 15:31     

يمكن تعريف الإسلام السياسي بأنه ليس إلا محاولة لأسلمة الرأسمالية: أي إدماج جوهر النظام الرأسمالي من حيث التفاوت الطبقي، قداسة الملكية الخاصة، التسليع، والبنية الطوعية للعبودية ضمن خطاب إسلامي شكلي، يجعل من الليبرالية الاقتصادية قدرًا مقدسًا، بشرط أن تضع على هامشها النية الصالحة والطهارة الشخصية والزكاة باعتبارها مسكّنًا لا يغيّر شيئًا في عمق البنية.

ولفهم هذا التداخل بين الدين والرأسمال، يمكن أن نستلهم رؤية تاريخية في النصوص التأسيسية للديانات الإبراهيمية، لنستكشف المواقف الاقتصادية فيها، وتحديدًا في التوراة، الإنجيل، والقرآن:

النهج الاقتصادي في التوراة: ازدواجية واضحة

تتجلى في التوراة مفارقة طبقية عميقة بين من هو داخل جماعة بني إسرائيل ومن هو خارجها. تُرسي الشريعة التوراتية نهجًا اقتصاديًا يقوم على:

داخل الجماعة اليهودية: تشدد التوراة على العدالة الاجتماعية الداخلية، إذ تحظر الربا بين اليهود، وتفرض تحرير العبيد في سنة اليوبيل، وردّ الأراضي لأصحابها الأصليين، وتسقط الديون بعد كل سبع سنوات. وهذا يُظهر تصميماً على تقليص التفاوت الطبقي داخل الجماعة.

خارج الجماعة اليهودية: تُبيح التوراة الربا والاستغلال الاقتصادي لغير اليهود، وتُجيز استعباد الأجانب بلا قيود تحرير. بمعنى آخر، يَسري النظام الاقتصادي العنيف والاستغلالي عند التعامل مع الآخر، بينما يُمارس نظام عدالة داخلية انتقائية على أبناء الجماعة.

النهج الاقتصادي في الإنجيل: العدمية الاقتصادية

يتجه العهد الجديد الإنجيل إلى نفي الجسد والمادة والملكية، ويدعو إلى التخلي عن الثروة كشرط لخلاص الروح:

مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني إلى ملكوت السماوات.

المسيح يطرد الصيارفة من الهيكل.

الدعوة إلى إعطاء الرداء لمن سلبك القميص.

بهذا المعنى، فالنهج الاقتصادي الإنجيلي عدمي تجاه الاقتصاد: لا يسعى إلى إصلاحه بل إلى التخلي عنه، باعتبار الأرض مكانًا للفداء لا للعدل، واعتبار الغنى عائقًا لا نعمة.

النهج الاقتصادي في القرآن: تثبيت التفاوت بقداسة دينية

على عكس تصورات البعض، لا يطرح القرآن نموذجًا اقتصاديًا مساواتيًا، بل يُقدّس الملكية الخاصة باعتبارها هبة من الله، ويقرّ الفوارق الطبقية بوصفها جزءًا من مشيئته:

والله فضل بعضكم على بعض في الرزق.

يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.

الزكاة هنا ليست أداة لإعادة توزيع الثروة بشكل جذري، بل فريضة تهذيبية محدودة النطاق لا تمس جوهر تراكم المال، ولا تعالج الاختلالات الهيكلية. كما أن القرآن لم يُكفّر من لا يدفع الزكاة، ولا من يمسك الحسنات، بل أبقى البنية العامة للتملك على حالها. بل حتى في وصف الجنات – وهي مآل المؤمنين – لم يُسقط الملكية، بل كرّسها في صورة جنات تجري من تحتها الأنهار.

النهج القرآني هنا ليس عدميًا كالمسيحية، ولا انتقائيًا ثنائيًا كالتوراة، بل يقوم على تثبيت النظام القائم، وإضفاء بعد غيبي روحي عليه، وجعله قدراً إلهياً، مما يمهّد لاحقًا لظهور الإسلام السياسي بوصفه شكلًا روحيًا للرأسمالية.

الإسلام لم يُدين النظام الطبقي:

قدّس الملكية الخاصة بوضوح، وفرض لها الحماية القصوى، فمن قتل في الدفاع عنها فهو شهيد.

أقر التفاوت الطبقي بقوله الصريح نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، والله فضل بعضكم على بعض في الرزق.

ربط التفاوت بالمشيئة الإلهية، لا بالظلم أو الخلل البنيوي في النظام الاقتصادي.

لم يكفّر من لا يدفع الزكاة:

الزكاة واجبة، لكن تركها لا يُخرج من الملة عند جمهور الفقهاء، إلا إذا أنكر وجوبها. أما من بخل بها فهو آثم لكنه ليس كافرًا.

لم يُجرِّم الإسلام تكديس الثروة إلا بشكل رمزي غامض، ومن دون تشريع حقيقي يُلزم بإعادة توزيعها